الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مهنة المراجعة (التدقيق المالي) إزدادت أهمية وجوهرية مع تطور الأعمال على مستوى العالم. مبادئ الحوكمة التي هي اليوم متطلب في كثير من القطاعات العامة والخاصة من أجل جودة أعمال أفضل وتحقيق مصالح الجهات المستفيدة و مستوى أعلى من الشفافية والإفصاح تضع المحاسبة المالية والمراجعة (التدقيق) لاعبا حاسما لتطبيق مبادئها وتحقيق أهدافها.
اليوم في المملكة العربية السعودية لدينا حوالي 193 شركة مدرجة في السوق الرئيسي وتقريبا 10 شركات في السوق الموازية بعد إن كان عدد الشركات قبل ما يقارب عشر سنوات لا يتجاوز 76 شركة ولم تكن هناك سوق موازية ولا متطلبات اعتماد مراجع خارجي لكثير من الجهات التجارية والاجتماعية كما هو اليوم ولم تكن هناك متطلبات الحوكمة كما هو اليوم والتي عادة ما تدعم أهمية عملية التدقيق المالي الداخلي و احيانا كثيرة الخارجي أيضا.
في ظل هذا التطور الملحوظ والأهمية المتزايدة لمهنة المراجعة (التدقيق المالي) والدور الذي تقدمه من رفع مستوى الثقة في التقارير المالية المقدمة للمستفيدين و الهدف النهائي الأهم وهو رفع مستوى جودة التقارير المالية وبالتالي حالة أفضل للسوق المالية وشفافية وإفصاح أكبر لا تزال مهنة المراجعة تنظيميا تحت تنظيم ومراقبة وإشراف الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين والتي تحاول وفق شكلها القانوني الحالي أن تلعب للأسف الدور كاملا لتطوير المهنة تنظيميا من خلال إصدار اللوائح والمعايير المهنية والإشراف والرقابة على الأداء وتطوير وتأهيل الكوادر المهنية.
تحاول الهيئة والتي لا تزال تحت مظلة وزارة التجارة وتحت تأثير الممارسين للمهنة بشكل أساس من خلال وجود الجمعية العمومية المكونة من الأعضاء الأساسيين والذين هم غالبا المحاسبين القانونيين ومنهم المراجعين الخارجيين المرخصين لمزاولة مهنة المراجعة أن تلعب دور التنظيم (التشريع) والرقابة والاشراف مما يجعل سؤال تعارض المصالح والأهداف ملحا وضروريا!
هناك تطور كبير جدا طرء على أعمال الهيئة تنظيميا وإداريا شأنها في ذلك شأن العديد من الجهات الحكومية اليوم في ظل اهتمام ودعم الدولة حفظها الله لمواكبة وتحقيق متطلبات رؤية 2030 والتي تضع تعزيز مبادئ الحوكمة ركنا أساسيا من أركانها والذي هو بلا شك يجعل في الوقت نفسه أهمية مهنة المحاسبة ككل ومهنة المراجعة بطبيعة الحال أولوية قصوى. ويمكن للمهتم أن يرى هذا التطور شكليا في تزايد عدد الكوادر البشرية اليوم في الهيئة و أيضا بيئة الهيئة التي تحولت من مبنى صغير ملحق بوزارة التجارة الى مبنى مستقل بعدد من الأدوار والادارات والاقسام واللجان العاملة.
لكن يبقى السؤال في ظل هذه الأهمية القصوى لمهنة المحاسبة والمراجعة لتحقيق أهم عناصر رؤية 2030 وهو تحقيق مبادئ الحوكمة في القطاعات عامة وزيادة مستوى الافصاح والشفافية وأيضا في ظل التطور الهائل في قطاع الأعمال والعمليات المالية والتجارية: هل الهيئة قادرة على ممارسة الدور المستقل لتنظيم المهنة وتحديدا الإشراف والمتابعة لأعمال المؤسسات المهنية؟ وهل لديها الاستقلال التنظيمي والبشري لتحقيق أهدافها من ناحية الاشراف والمتابعة ورفع مستوى الأداء؟
والمتتبع لجهود الهيئات والمجالس الدولية المنظمة لمهنة المراجعة تحديدا يشعر بمحاولاتها العديدة لحماية المهنة أولا من أفرادها قبل أي شيء آخر. فتهمة التجارية والربحية التي تلاحق المحاسبين القانونيين بسبب الطبيعة الغريبة لمهنتهم حيث أنهم يأتون كحماة لمصالح العامة وفي نفس الوقت لهم مصالحهم المالية والتجارية وقت تقديم خدماتهم المهنية لا تزال قائمة منذ سقوط شركة أرثر أندرسون للمحاسبة والتي كانت من ضمن أكبر 9 شركات على مستوى العالم وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية (وحين نقول أكبر ليس فقط من ناحية العوائد المادية او عدد العملاء بل أيضا من ناحية الكوادر المهنية وجودة الاداء).
فلا يمكن أن نتجاوز كون الهيئة في شكلها التنيظمي الحالي هي تحت تأثير وسلطة غير مباشرة من قبل الأفراد الممارسين، فبنظرة سريعة على اللجان التنفيذية للهيئة وخصوصا المهتمة بعملية المراقبة والاشراف على مستوى الاداء المهني للمراجعين الخارجيين نجد أنها تتكون بنسب عالية من الأعضاء ممارسين. وهذا الأمر معلوم أنه يصعب التغلب عليه تماما لأن الممارسين والمهنيين هم في النهاية الأعرف ببواطن الأمور ولكن دوما تأتي اللوائح والانظمة والمكونات النظامية لضمان تحقيق الأفراد للمصالح العامة و أهداف المؤسسات بشكل عام.
ففي ظل تكرر مشهد الفشل المالي رغم وجود المراجعين الخارجيين ومكونات الحوكمة داخل الشركات في الدول المتقدمة قبل الدول النامية و في ظل النقد المتكرر لجودة اداء المراجعيين الخارجيين على المستوى الدولي حتى وصل الأمر بأن نادى بعض اعضاء البرلمان البريطاني مؤخرا من خلال دراسة لمستقبل المراجعة في المملكة المتحدة الى تفكيك مكاتب المراجعة الأربعة الكبرى (والتي تعتبر الاكبر أيضا من ناحية جودة الأداء لامتلاكها للكوادر والموارد الأفضل) بتهمة الاحتكار وتعارض المصالح يبقى السؤال هل فعلا لدينا مهنة مراجعة ذات جودة عالية للغاية تجعل النقد محدودا او غائبا أو أن حالة الصمت الموجودة ناجمة عن ضعف في الشفافية والإفصاح بخصوص مستوى الاداء؟ أي انه لا يوجد محتوى ومؤشرات يمكن استخدامها لمعرفة طبيعة الحال في الواقع العملي ومستوى الجودة الممارس على أرض الواقع ليكون هناك نقد وتقييم ونقاش!
وهنا يجدر الاشارة الى أن المتتبع اليوم لجهود الهيئة لا يمكن أن يتجاوز تطور أعمالها ومبادراتها وبرامجها لكن يبقى السؤال ملحا هل الهيئة بشكلها القانوني الحالي قادرة على أن تلعب الدور كاملا لتطوير مهنة المحاسبة والمراجعة؟ فالهيئة لا تزال تعمل من منظور دعم الممارسين المهنيين من ناحية التنظيم و التأهيل و التطوير مما قد يجعل اهتمامها بالنقد و التقييم و الرقابة على مستوى الاداء وحماية المهنة قبل المهنيين أقل حضورا في المخيلة و دائرة الاهتمام.
لذا قد يكون في استقلال الهيئة تنظيميا بحيث تكون مؤسسة مستقلة بذاتها عن وزارة التجارة ولها مكوناتها التنظيمية والإدارية وأدواتها الرقابية الدور المهم في تعزيز صلاحياتها وقدراتها بما يتناسب مع مسؤولياتها المتزايدة على جميع الأصعدة التنظيمية والرقابية والتوعوية والتعليمية. استقلال الهيئة التنيظمي والإداري سيساعد كثيرا على تكوين أجهزة وأدوات رقابية ذات جودة أكبر وكفاءة أعلى وأيضا يجعل عملية حوكمة أعمالها أقل تعقيدا وأكثر عمقا وجودة. بل إنه قد يساعد في إعادة بلورة دور الهيئة و مساحة إهتمامها من حماية وتطوير المهنيين او الممارسين للمهنة إلى مفهوم أعم وأشمل وهو حماية المهنة وتطويرها.
خاتمة: تعدد الأدوار والمسؤوليات يؤدي في كثير من الأحيان إلى التشتت و غياب التركيز وفي إحيان كثيرة إنحراف التركيز إلى جانب أو جوانب معينة أمام جوانب أخرى ربما تكون أكثر اهمية وجوهرية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال