الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الجزء الأول من المقال كان الحديث عن جانب من أقسام التعويضات ومعاييرها ، والتعويض الجزائي الرادع (Punitive Damages) والذي يشكل عادة الجزء الأكبر في أي قضية تعويض مليونية، حيث يمثّل 80-95% من قيمة التعويض عادة .. وفي هذا الجزء الثاني من المقال، سيتم إلقاء الضوء على محاولة تحجيم هذه التعويضات وتحديد سقف أعلى لها في بعض الولايات وبعض القضايا، و الجزء أو النسبة التي يتم اقتطاعها من التعويض ولصالح من هذا الاقتطاع، و تطبيقات ذلك في واحدة من أشهر القضايا التي جذبت الكثير من الاهتمام والجدل ، وهي قضية (موريس فيليب- ويليامز).
السقف الأعلى للتعويض الجزائي الرادع (Punitive Damages)
بما أن التعويض الجزائي الرادع هو الذي أوصل التعويضات للأرقام الفلكية المليونية أو البلونية، فإن العديد من الولايات قامت بتقنين هذا النوع من التعويضات، وتم وضع سقف أعلى لا يمكن الزيادة عنه. ففي بعض الولايات تم تحديد السقف بالتناسب بين مبلغ التعويض عن الضرر الحقيقي وبين التعويض الرادع، فلا يتجاوز التعويض الرادع (Punitive Damages) خمسة أو عشرة أضعاف التعويض الحقيقي في بعض الولايات، وبما أن التعويض الحقيقي -كما تقدم في الجزء الأول من المقال- قد يصل لعدة ملايين 3 أو 4 على سبيل المثال، فإن التعويض هنا سيصل إلى 30-40 مليون والذي لا زال مرتفعاً في نظر بعض الولايات؛ لذلك في ولاية مونتانا، تم تحديد سقف التعويض بالنظر إلى حال المدعى عليه المادي، فلا يجوز أن يتجاوز التعويض مليون دولار أو 3 أضعاف قيمة ممتلكات الشخص أو الشركة – بعد حسم الديون من قيمة جميع هذه الممتلكات – أيهما أقل، و ولايات أخرى صنفت الأضرار وحددت لكل صنف سقفاً أعلى، وأعلى ما يصل التعويض في بعض الولايات 10 ملايين دولار وفي حالات محددة.
والمحكمة العليا – الفيدرالية – لم تحدد سقفاً أو نسبة محددة، لكنها ألمحت في بعض الأحكام إلى أن نسبة 1:10 عادلة ومناسبة، فلا ينبغي أن يتجاوز التعويض الجزائي 10 أضعاف التعويض عن الأضرار الحقيقية، وهذا في عامة القضايا، لكن هناك الكثير من القضايا المشهورة تتجاوز هذا النسبة المحددة، وذلك لطبيعة الضرر فيها أو تساهل الشركة في إيقاع الضرر وعدم اكتراثها.
وللقاضي تخفيض مبلغ التعويض الذي تفرضه هيئة المحلفين، متى ما رأى أنه غير معقول، وفي بعض القضايا يحكم بتعويض كبير، فتقوم محكمة الاستئناف بتخفيض حجم التعويض، ثم ترفع القضية للعليا فتزيد في تخفيض المبلغ، بل أحياناً ربما تقرر عدم الحاجة للتعويض الجزائي وتكتفي بالتعويض عن الأضرار الفعلية.
ففي كاليفورنيا، أصيب زوجان بالسرطان، بسبب مبيد حشرات، فحكمت لهما هيئة المحلفين بتعويض قدره ملياري دولار، فخفضها القاضي إلى 86 مليون دولار.
الاقتطاع من التعويض لصالح الولاية
ربما يتصور الكثير – كما كان يعتقد كاتب المقال- أن مبلغ التعويض يذهب كله لصالح المحكوم له، لكن الواقع أن نسبة غير يسيرة من هذا التعويض يتم اقتطاعه لصالح الولاية، وهذا يتفق جزئياً مع فكرة التعويض وسبب ارتفاع مبالغ التعويضات -كما تقدم في الجزء الأول من المقال- فالهدف من التعويض الجزائي الرادع، ليس تعويض المدعي المتضرر، بل هو حماية المجتمع ككل من تكرار الشركات لأخطائها؛ لذلك فالأحق بهذا التعويض، هو المجتمع بكافته لذلك يجب أن يذهب جميع أو أغلب هذا التعويض إلى المجتمع، كما أن هذا يعتبر كسباً مفاجئاً أو بالحظ فيشبه كسب اليانصيب، فلذلك يبقى المجتمع -ممثلاً في حكومة الولاية- أولى بالمشاركة في هذا المبلغ.
وتتفاوت الولايات في نسبة الاقتطاع، لكنها تتراوح بين 50-65% عادة، وفي كاليفورنيا تم تقديم مشروع قرار، ثار حوله الكثير من الجدل، ويقترح أن تكون نسبة الاقتطاع 75% من مبلغ التعويض.
قضية (فيليب موريس – ويليامز)
جيسي وليليام توفي عام 1997 بعد أشهر من إصابته بسرطان الرئة، وكان لمدة أربعين سنة يدخن ثلاث علب من سجائر (مارلبورو) يومياً، والتي تنتجها شركة فيليب موريس. وقد حكمت هيئة المحلفين لورثة ويليامز بـ 800 ألف دولار تعويضات عن الضرر الفعلي، و 79.5 مليون كتعويض جزائي، لكن القاضي في المحكمة الابتدائية قام بتخفيض مبلغ التعويض إلى 32 مليون دولار. بعد ذلك قررت محكمة الاستئناف في ولاية أوريقون تأييد قرار هيئة المحلفين على تعويض 79.5 مليون ، وحين استأنفت فيليب موريس القضية أمام المحكمة العليا الأمريكية، تم نقض الحكم (بأغلبية 5-4) وإعادته إلى محاكم ولاية أوريقون، لملاحظة تتعلق بقواعد اعتبار التعويض الرادع، وليس بتقدير مبلغ التعويض نفسه.
محكمة الاستئناف والمحكمة العليا في أوريقون حكمت مرة أخرى بمبلغ التعويض الذي قررته هيئة المحلفين (79.5 مليون)، وبعد الاعتراض على الحكم أمام المحكمة الفيدرالية العليا، قررت المحكمة عدم سماع الاعتراض وبالتالي أصبح الحكم نهائياً.
بما أن نظام الولاية يقرر اقتطاع 60% من التعويض لصالح صندوق تعويض ضحايا الجرائم والعنف، فقد تم تعويض ورثة ويليامز بـ 40% من مبلغ التعويض إضافة لـ 9% فائدة على تأخر الدفع -وفقاً لقانون الولاية- مما أوصل المبلغ إلى 61 مليون دولار.
ولكن القصة لم تنته عند هذا الحدّ، لأن شركة فيليب موريس رفضت تسليم الولاية نصيبها من التعويض، واحتجت بتوقيعها اتفاقية تسوية مع الولاية قبل عدة سنوات، لكن الولاية اعتبرت الاستحقاق هذا غير مباشر وغير داخل في التسوية، فتقدمت الولاية بدعوى قضائية تطالب بـ 99 مليون دولار (60% + الفائدة)، وخوفاً من خسارة الولاية للقضية و لأنه يحتمل أن يحكم بكامل المتبقي من التعويض للورثة إذا لم يحكم به للولاية، اتفقت مع ورثة ويليامز بأن يتم قسمة أية تعويضات لأي من الطرفين بنسبة 45% للورثة و 55% للولاية، وعندما كسبت الولاية حصل ورثة ويليامز على 45 مليون دولار إضافي وبالتالي بلغ إجمالي التعويض للورثة 106 مليون دولار.
*وعطفاً على النقاط والتقسيمات و الأمثلة التي أشير إليها في المقال، فيمكن أن نخلص إلى أن هذه التعويضات المليونية حقيقية، ولها تسويغاتها المنطقية وضوابطها القانونية، ولكنها لا تشكل أكثر من 5% من مجموع قضايا التعويضات. كما أنه يظهر جلياً رسوخ فكرة التعويض المالي لجبر الضرر المادي والمعنوي، وحتى إن كان معظم التعويضات لا تتجاوز عشرات الألوف و البعض يصل لمئات الألوف، ففيها عِوض يجبر الضرر، ويزجر عن إهمال الحقوق أوالاعتداء عليها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال