الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يصعب على الانسان السويّ ان يستوعب ريالاً واحداً دخل اليه حراماً سيشتري به اربعة ارغفة من الخبز يطعم بها عائلته وأطفاله ، ولا اعلم أي ضمير انساني يعتبر ساعات العمل مجرد وقت يمضي فحسب ! العمل الشريف الذي ينال استحسان ضميرك ويرفع من معنوياتك ينعكس في حقيقة الأمر على قيمك النفعية وحواسك ويعزز من تعاظم تفكيرك ونجاحك يقول آدم سميث : ” تكمن مثالية الطبيعة الإنسانية في كبح أنانيتنا، وإطلاق العنان لمشاعرنا الطيبة” ، ويقول رالف والدو إمرسون : ” المكافأة التي تجنيها من العمل المتقن هي قيامك بهذا العمل.”
إن أهمية الاقتصاد تبدو اكثر انسجاما مع معطيات التكامل الأخلاقي والسلوكي عندما تعمل جميع عناصر إنتاجه بكفاءة وجودة عالية بعمر استهلاكي اطول واداءً محترفاً وتكلفةً اقل مضافاً لها جوانب الانفاق والمصروفات النظامية العادلة متوجا بأخلاقيات وسلوك جميع اطرافه ، وهو ما يسهم ايضاً في تحقيق ذلك العمل الانتاجي السليم الذي لا تهدر فيه دقيقة عمل لصفقة فساد او تخاذل او عدم الشعور بقيمة ذلك العمل ومسؤولياته المتكاملة ليستفيد منه هذا الجيل والأجيال القادمة .
الحديث عن حريق محطة قطار الحرمين بجدة ( السليمانية ) دون ظهور نتائج التحقيق مخاطرة اعلامية بيد انني شخصياً أتألم في اليوم الف مرة لان ما كان معلماً حضارياً يعانق صباحاتي وانا ذاهبٌ الى مقر عملي تحولت الى كآبة مقيتة ! ومن المؤلم جدا ان يكون كبش فداء المحطة المحروقة سواء كان بسبب ( الفساد ) والمؤلم اكثر ان يكون سببها ايضا اللامبالاة بأدق واصغر التفاصيل في هذا المشروع الذي كان ولمدة عام فقط واحداً من ابرز المعالم الحضارية والاقتصادية في بلادنا الغالية.
اعذروا الكتاب والصحفيين والمغردين عندما كتبوا عن ذلك ، اعذروهم لانهم قلب وطن واحد يفرحون لفرحه فيكتبون بالدم الأخضر فرحاً ويتألمون عندما يسقط من أيديهم خذلان موظف او مسؤول فيكتبون بالدم الأحمر ألماً ، حتما ستكشف نتائج التحقيقات حجم المشكلة واسبابها ونتمنى ان تكون في القريب العاجل كما نتمنى إعادة تقييم المنشآت والتأكد من تطبيقها التام لمعايير الامن والسلامة بشكل شامل كمراجعة دقيقة يحاسب فيها كل مقصر كما انه من الأهمية بمكان ان نعزز من المعايير الخاصة بإنشاء إدارات متخصصة للازمات والكوارث داخل تلك المنشآت ويكون من مهامها مراجعة وتقييم المخاطر والعمل على تطبيقها وفي المقابل تُشكر الجهات الرقابية التي تعني بمكافحة الفساد وهذه حقيقة ذلك انها اليوم اكثر قربا وتفاعلا مع قضايا المجتمع في كافة الاتجاهات.
تعرقل مشكلة الفساد البرامج الاقتصادية وتحد من تعاظم النمو الاقتصادي في معظم الدول وخاصة الدول النامية، ويمكن القول بأن حالة فساد واحدة ستؤدي الى تداعيات كثيرة ليست ذات بعد واحد او زمن محدد فحسب ولكنها سيناريو طويل ومزمن ويحتاج الى الكثير من الجهود لإنهائه ، وتحدث عادة هذه التبعات بسبب غياب منهجية الرقابة الاحترافية والمعايير المرتبطة بها ، انه لمن المؤكد ان لا احد يرغب في انتشارها والكثير يعلم أضرارها التراكمية ولكن في المقابل نجد ان هذه الثقافة وطرق الوقاية منها لا يكون فقط من خلال وسائل الاعلام ، بل ان التوعية وخلق قيم النزاهة تحتاج الى عمل تكاملي يقوده البيت ، الحي ، المسجد ، والمدرسة والمنهاج التعليمية .
تتعدد المضار الاجتماعية وتتشعب الا ان البعد الاقتصادي لا يقل أهمية عن غيره ، سلب وظيفة مستحقة يرهق الاقتصاد بقلة الانتاج بالأداء الوظيفي الغير منضبط ، يحرم أسرة من قوة شرائية مُستحقة من برنامج ادخار ويمنحها لآخر قد لا تمثل له القوة الشرائية شيئا مهماً ، ان الفساد يلعب دورا كبيرا في فقدان الكفاءات المهنية وترفع من تكاليف المشاريع نتيجة كما يؤدي الى ارتفاع نسبة البطالة والتضخم والفقر كما تعيق نمو وتوسع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتؤدي أيضا الى نشوء المشروعات الهشة مقابل انفاق اعلى.
مجمل القول : الأخلاق والسلوك وعلاقتها بالإقتصاد ونشاطاته المختلفة قِيَّم تأتي من خلال المعرفة والعلوم كمناهج علمية واحتواء مجتمعي سلوكي ودوافع مُكتسبة وتوعوي وتشريعات صارمة ثم الرقابة الشديدة على كافة الاعمال وصناعة لسلوكيات الموظفين وتحويل معطيات اي عمل إنتاجي الى نماذج قياس دقيقة ثم تحويل بيئات الاعمال الى سلسلة من الإجراءات الاحترازية التي تهتم بمعايير السلامة والضبوطية الفردية والشفافية و تقوية المؤسسات والقطاعات ببرامج فعالة ودقيقة مع دعم الاجهزة الرقابية بكفاءات وتقنيات متطورة.
نعم دفعنا من أعمارنا سنوات وأموال طائلة حتى ظهر هذا مشروع محطة الحرمين لكن الأهم هو ان نتعلم من الدروس ونبدأ مرحلة جديدة شاملة نسترجع من خلالها معايير السلامة ومراجعة قوائم المفسدين ونوقف هدر المناقصات التي تزينها العروض التقديمية قبل الجوانب الفنية الدقيقة بكافة تفاصيلها وأسعارها الحقيقية وما يبعث على الاطمئنان هو جدية الدولة وعزمها المستمر على القضاء على الفساد وترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للوطن ولن تفلت أيادي الفساد والإهمال من العقاب والحساب – وهنا اتحدث بشكل عام وليس عن محطة قطار الحرمين – ومن الواجب علينا جميعا العمل بما يحقق هذه المكتسبات الأخلاقية وصولاً الى نجاحات متعددة نحو اقتصاد إنتاجي نظيف .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال