الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثيراً ما ينجذب الناس ويحدقون بشغف واهتمام إلى أشخاصٍ محددين بسبب امتلاكهم لسحر الجاذبية القادرة على إلهامهم، فهو قادر على جَذب من حوله بل والتأثير في الآخرين وقيادة أفكارهم ومشاعرهم بشكل يثير إعجابهم واهتمامهم، وهذا بالضبط ما يسمى بـ”الكاريزما”، والتي تعتمد في أساسها على القدرة الفائقة على التواصل مع الآخرين والتحكم عبر ذلك بمشاعرهم بسهولة، سواء كان هذا التواصُل لفظيّاً أو خطيا أو جسدياً، ويكون ذلك عن طريق استخدام القصص الجذابة والتعبيرات البلاغيّة الرائعة، كما يتميز أصحاب الكاريزما بإبداعهم وتفننهم باستخدام لغة الجسد ونبرة الصوت، والقدرة على إبراز العواطف الجياشة والتعبيرات والمشاعر الخاصّة بشكل حقيقيّ وعفويّ التي تدعم موقفهم، وإبراز ثقتهم بنفسهم، إن مما لاشك فيه بأن امتلاك الإنسان لمثل هذه الصفات المثيرة -والتي بلا شك تُميِّزه عن آخرين يتطلعون لامتلاكها- يسهم في نَشْر الطاقة الإيجابيّة، وتغيير مزاج مَن حوله نحو الأفضل، بل وأيضا القدرة على اقناع الاخرين، هنا يبرز السؤال:
أيهما أفضل للقيادة؛ هل هم أصحاب الكاريزما أم الأشخاص الذين يفتقدون للكاريزما؟
عندما يبحث المدراء وكبار المسؤولين عن شخصيات قيادية فلابد أن يوضع أمران أساسيان قيد الاهتمام، الاعتبار الأول: هو أن القيادة ترتبط ارتباطا وثيقاً بالشخصية وهذا مؤشر أن البعض أنسب للقيادة من غيرهم، وهذا الاعتبار تم إثباته مراراً في الشركات والمنظمات، الاعتبار الثاني: هو أن أصحاب الكاريزما هم أنسب للقيادة ممن يفتقدون للكاريزما، وهذا الادعاء قد يكون خاطئ، رأينا مثال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كيف أضر بمصر منذ انقلاب 1952 وحتى وفاته رغم كونه يتميز بكاريزما خارقة! إن وجود الكاريزما عند الانسان قد تضعف حس القيادة والإدارة لديه؛ ذكر عالم النفس الأمريكي د. روبرت هوجان أن ذلك يعود لعدة أسباب:
أولاً: إن بعض من يمتلكون الكاريزما متميزون في إغواء الناس والتدليس عليهم رغم كونهم جذابين جداً، فلا يستغرب أن معظم القادة أصحاب الكاريزما يدمرون المنظمات إذا ساروا على هواهم بدون محاسبة؛ فهم يعدون بالتزامات فردية وإنجازات خرافية ليس بوسعهم تحقيقها، ويضخون الموارد ببذخ، ويستصغرون المصاعب الكثيرة المرتبطة بتطبيق أهدافهم الغير عقلانية، وببساطة يتجاهلون كل الملاحظات السلبية والاعتراضات.
ثانياً: لو حاولنا أن نبحث عن أكثر الشركات ربحاً وذات الأداء الأعلى مقارنة بمنافسيهم، سنجد السبب إنه يكمن في شخصيات الرؤساء التنفيذيين، فحين تدخل أماكن عملهم لن تعرف من هو الرئيس التنفيذي لأنهم لا يهتمون بالظهور، فهم هادئون ومتحفظون بل وخجولون؛ ولكن من الداخل هم طموحون جدا، وأصحاب همة عالية، ولكن في نفس الوقت متواضعون، أتعجب من بعض الرؤساء الذين يغلقون الأبواب وإذا حضروا لا يأتون الا باصطحاب السيارات السوداء… الخ.
ثالثا: القادة المتواضعون يعترفون بأخطائهم على عكس أصحاب الكاريزما، ويستمعون للملاحظات، ومستعدون لالتماس المشاركات من الخبراء من مرؤوسيهم، وهذا عادة ما يخلق بيئة تتطور باستمرار.
قد يتساءل البعض: كيف يمكننا تعريف التواضع؟ أولاً: محاولة رؤية ميول النفس السلوكية بموضوعية، والاستماع للغير من أجل تحقيق ذلك، ثانياً: احترام نقاط قوة الاخرين، ومشاركاتهم ومعرفه أن لديهم ما يضيفونه، ثالثاً: الانفتاح وتقبل الأفكار الجديدة من الاخرين، ليس فقط معرفة أن لديهم قيمة؛ بل الانفتاح لأفكارهم، يجب التنبه كذلك الى أن التواضع مهم فقط في حالة تواجده مع الكفاءة، فإن كنت متواضعاً ولكن بدون كفاءة فسيرى الناس ذلك مجرد ضعف وخور.
————-
balmangour@gmail.com
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال