الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عرف الإنسان أُولى الصناعات من خلال اعداده لأدوات الصيد التي كان يصنعها من الحجارة المدببة ثم تطورت عبر انتقاله الى المجتمعات الرعوية و الزراعية فصنع رغيف خبزه ثم نسج ملابسه حتى وصلت هذه الصناعة اليوم الى احدث ما عرفته البشرية من العلوم التقنية ووسائل النقل والاتصال وغيرها الكثير فالصناعة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة ولا يكاد يخلو اي مكون اقتصادي منها بدءا من عناصر الانتاج وهي : الموارد الطبيعية ورأس المال والقوى العاملة وانتهاء بسلاسل الإمداد للأسواق فالاستهلاك ومن هذا المنطلق فإن كل منهما مكمل للآخر ويعملان معاً في خط متوازي تحقيقاً في نهاية الأمر للنمو والرخاء الاقتصادي والازدهار .
المتابع للمشهد الاقتصادي السعودي يلمس حراكا فاعلا في أهم قطاعين أكدتها رؤية المملكة 2030 وهي قطاعي السياحة والصناعة .. بما يسهم فعليا في تنويع قاعدة الاقتصاد وخلق المبادرات الصناعية ذات القيم المضافة لكافة مكونات الاقتصاد الكلي .. وعندما نتحدث عن الصناعة فإننا نتحدث عن تكامل نوعي وافقي سواء كان ذلك في استراتيجيات التصنيع التي تنطوي على حاجة السوق المحلية والعالمية او تلك التي تواكب التطورات الصناعية والتقنية المتلاحقة ، ومع انشاء وزارة الصناعة والثروة المعدنية مؤخراً يمكن القول بأن البعد التشريعي والتنفيذي لهذا القطاع اصبح اليوم اكثر تعزيزا لهذه الاسهامات بيد أن البداية الحقيقية للنجاح المتلاحق تبدأ أولاً من جودة المنتج المحلي يتبعها دعمه وتشجيعه بداية من أول خط للإنتاج وانتهاء بالأسواق .
لعل أول سؤال يتبادر الى ذهن القارئ الكريم .. ما هي المنتجات الوطنية وأين وكيف اجدها ؟ والحقيقة ان هذه المعلومة غائبة وأقول غائبة لأنه لا توجد حتى اللحظة قاعدة بيانات موحدة ومتكاملة لها ، صحيح ان هناك اجتهادات للشركات والمصانع المنتجة في مواقعاها عبر شبكة الانترنت لكن كمستهلك اريد ان اذهب الى السوق لأجد المنتج السعودي متميزا في العرض والشكل والعلامة التجارية.. وكمورد اريد أيضا ان ادخل الى موقع الكتروني موحد فيه كل التفاصيل عن ذلك .
إن الصناعة اليوم هي المحرك الأساس في أي اقتصاد عالمي وما نشهده من تقدم الدول الصناعية كان نتاجا لجهود أسهمت في خلق الفرص الصناعية وعملت على نموها وتطورها لتصل الى ما وصلت اليه ونحن كجزء من المنظومة العالمية قادرون على ذلك كيف لا والدعم الحكومي لا يتوقف بل انه ركيزة أساسية في جميع المبادرات الناجحة .
والآن دعونا نراجع معاً سبل دعم وتشجيع الصناعة الوطنية :
أولا .. التوسع الأُفقي المرن في انشاء المصانع الإنتاجية ذات الميّز الاستهلاكية وأيضا تلك التي تتعلق بالتنوع في الموارد الطبيعية المتاحة فكلما حققنا تقدما واسعا في هذا المجال كلما كانت العوائد اكبر وهذا يأتي بتعزيز قدرات القطاع الصناعي وخلق تنوع اقتصادي واسع ومستدام في ظل الإمكانات الهائلة من الموارد الطبيعية وموانئ كبيرة على طول الخطوط الملاحية العالمية و مساحاتنا الجغرافية إضافة الى مواصلة الارتقاء الحالي بالخدمات اللوجستية والخدمات والأنشطة الأخرى المصاحبة وهو ما سيسهم في ذات الوقت الى المزيد من اكتشاف الفرص الجديدة للقطاع الخاص الإنتاجي ، لقد كشفت تقارير الهيئة العامة للإحصاء عن ارتفاع الإنتاج الصناعي خلال الربع الثالث من العام 2018 مقارنة بالربع نفسه من عام 2017الى بما نسبته 2.34 % في جميع الأنشطة الصناعية بينما بلغت نسبة نمو الإنتاج في الصناعة التحويلية 3.71% وهو ما يؤشر الى أهمية مواصلة هذا الأداء ليتزامن مع الدعم الحكومي الموجه للصادرات والمشاريع العملاقة التي تم تدشينها مؤخرا ، وعليه فإنه يعول القطاع الخاص القيام بدور كبير في الاسهام الفاعل في القطاع الصناعي والتقني وتوفير مناخ جاذب ومحفز لتمكينه من الأداء المرن وتذليل أي معوقات تواجهه في ظل التحول الكبير الذي نشهده في هذا القطاع الهام .
ثانيا .. الحماية من الإغراق وهذا الجانب من الأهمية بمكان حيث أن وجود الكثير من المنتجات التنافسية بأسعار اقل لا ترقى للمواصفات المعتمدة سوف يربك المنتجات الوطنية ويحولها الى سلع احتياطية لا تُستهلك مما يكبد المصانع خسائر ومخاطر قد توقف انتاجها او توسعها و مما لاشك فيه بأن الدور الذي تقوم به هيئة المحتوى المحلي والمشتريات في هذا الجانب إيجابي وفاعل لزيادة عناصر المحتوى المحلي في مختلف الصناعات ، الا انه في المقابل لابد من تعزيز وتمكين اعلى المعايير في جانب المواصفات والمقاييس للمنتجات التي يتم استرداها لضمان التنافسية العادلة من جهة ومن جهة أخرى حماية المنتج السعودي .
ثالثا .. توطين التقنية الصناعية .. تلعب التقنية اليوم دورا مهما في العملية الإنتاجية والتشغيلية ودائما ما تخضع معايير التصنيع الى متغيرات متسارعة وهو ما قد يفتقده المُصنّع اذا لم يعمل على حيثيات استقطاب الخبرات الدولية والتقنيات المصاحبة لعملية التصنيع وهذا يقودنا الى أهمية العمل على بناء استراتيجيات بعمل منهجي تتكامل فيه كافة الأطراف المستفيدة من تحقيق هذا التوجه .
رابعا .. تعزيز القطاع الصناعي بإنشاء مراكز بحثية متطورة وذلك للاهتمام بجودة المنتوجات الصناعية وتقديم محتوى فكري واستشاري مع كافة الحلول التي تكفل مرونة التنفيذ والتوسع الناجح مع ترابط هذه المراكز بالمخرجات التقنية والصناعية المتطورة لتعزيز مهارتها بما يواكب حاجة قطاع التصنيع .
خامسا .. تطوير أداء الاعلام الصناعي والذي يشكل حجر الزاوية في تقديم المحتوى الإعلامي المتخصص بما يسلط الضوء على التطور الكبير الذي تشهده العديد من القطاعات الصناعية .
سادسا .. تحفيز وخلق كيانات صناعية متوسطة وصغيرة وفق اطر احترافية تضمن نجاح العملية الإنتاجية وتمويل مثل هذه الكيانات والاضطلاع بدور فاعل للغرف التجارية الصناعية في الأبعاد المتعلقة بالشراكات وتقديم الاستشارات وتقريب المسافات بين تلك الكيانات والبرامج ذات العلاقة مع اهمية التركيز على الملكات الإبداعية والموهبة في ذلك لأنها ستخلق صناعات خفيفة ذات مكتسبات شمولية متكاملة وتوفير برامج واعدة في قطاع ريادة الاعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وخلق العديد من فرص العمل وتمكين الفرص الاستثمارية الجديدة حيث يشكل القطاع الصناعي حاليًا ما يقارب (12 %) من الناتج المحلي الإجمالي فحجم القطاع الصناعي في المملكة قد ارتفع من 32 مليار ريال عام 1974 م إلى حوالي 312 مليار في عام 2017 م. بمعدل نمو سنوي طوال هذه الفترة قدره 8.4% كأعلى معدلات النمو بين كافة الأنشطة الاقتصادية، والمستهدف هو رفع مساهمتها إلى مستويات أعلى وخاصة في الصناعات عالية التقنية مما يزيد من معدلات النمو الاقتصادي وصولا الى ما نسبته اكثر من 33% من اجمالي الناتج المحلي الإجمالي في العام 2030 .
مجمل القول : التكامل الصناعي الذي يوصلنا الى الاستدامة والانتشار النوعي والافقي يحقق مكاسب اقتصادية عالية ويخلق ثقافة جديدة نحو مواكبة التحولات الجديدة وكلما كانت الصناعة تحمل في بعدها الإنتاجي التميز كلما كانت العلامة الصناعية أقوى حضوراً وحراكاً وكلما قربنا المسافة بين رجال الاعمال الصناعيين والجهات ذات العلاقة كلما اتضح للمشهد الصناعي العديد من التحديات التي تواجهه والحلول المناسبة لها وفي ذات الوقت علينا أن ننظر دائما الى غدٍ جديد يحمل في طياته مبشرات اجمل ومستقبل واعد في هذا القطاع الحيوي الهام .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال