الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كنت قد كتبت في صحفية مال خلال شهر يناير من العام 2017م سلسلة مقالات عن الرؤية وكان أولها بعنوان “2030 بين الكابوس والحلم وأيهما يتحقق؟!”. وقد كنت أقصد بالكابوس هو ماحوته وسائل الإعلام المحلية والدولية في الربع الثالث من العام 2012م من مئات التقارير والتحليلات والتي توقعت أن المملكة العربية السعودية وهي أكبر مصدر للبترول في العالم قد تصبح مستوردة له في العام 2030م وذلك بسبب الزياده المتسارعة في الإستهلاك المحلي للنفط.
أما الحلم فقد كان رؤية السعودية 2030 والتي أُعلنت في شهر أبريل من العام 2016م وهي حلمٌ كبير تلقاها الأغلبية بتفاؤل منقطع النظير، بل وبالغ البعض في الإشادة بها إلى الحد الذي تصور الكثيرون أنها قد تحققت بالفعل!. بينما تحدث البعض أو تسائلوا عن الأهم وهو كيفية تحقيق تلك الأهداف ومن سيقوم بذلك؟ وماهي الجهود المطلوبة والتضحيات الضرورية في سبيل المُضي نحوها؟ وقد كان عرابها سمو ولي العهد قد ذكر بوضوح في المقابلة التي أُجريت معه في قناة العربية وقتها أن الرؤية هي (Vision) وليس بها أمور فنية ولاتحوي برامج تنفيذية.
وفي المقالة الثانية والتي كانت بعنوان “الرؤية الحلم 2030… هل انتهى شهر العسل؟!” ذكرت فيها أن موضوع الرؤية ليست شهر عسل أو فترة زمنية قصيرة وإنما هي جهد مشترك من الجميع للوصول إلى حياة أفضل في المستقبل، وأن الخيار المتاح لنا ببساطة هو إما العمل الدؤوب وفق أهداف الرؤية وإستراتيجياتها لأجل تحقيق الحلم كما تبنته القيادة من الداخل، أو الإنكفاء على الذات والإنتقاد بدون عمل والإستمرار في الإستهلاك المفرط وبالتالي تزايد فرص تحقق الكابوس كما توقعته التقارير الواردة من الخارج. واختتمت تلك المقالة بمقولة للسياسي والمفكر الأمريكي جويل باركر (Joel Parker) والذي عاش في القرن التاسع عشر عندما قال “الرؤية من غير عمل ماهي إلا حلم، والعمل من غير رؤية ماهو إلا مضيعة للوقت، أما الرؤية مع العمل فهي مايمكنها أن تغير العالم” .
وفي مقالتي الثالثة والتي كانت بعنوان “تاريخ الشركات الإستشارية ودورها في تحقيق الرؤيه” ذكرت فيها أن فاعلية تلك الشركات تقتصر في العادة على تحديد ماذا يجب أن يتم (What) من خلال مكتب إدارة لكل مشروع (PMO) حتى إنتهاء الدراسة وتقديم تقريرها للعميل، وتبقى تلك المكاتب غير متخصصة في كيفية التنفيد (How) .
واستشهدت بماذكره الدكتور إحسان بوحليقة وقتها من أن الإستشاريين لم يأتوا بجديد فيما يتعلق بالأهداف التي نتطلع لتحقيقها حيث كانت موجودة في جميع خطط التنمية الخمسية بدءاً من العام 1970م سواء مايتعلق بتنويع مصادر الدخل أو تطوير الموارد البشرية أو زيادة معدل نمو الناتج المحلي كأهداف رئيسيه ولكن مشكلتنا الأساسية هي عدم تنفيذ تلك الأهداف على مدى نصف القرن الذي مضى بل أننا سرنا في الإتجاه المعاكس تماماً وفاقمنا المشكلة.
وأوضحت تخوف الدكتور بوحليقة من أن نقضي مدة مماثلة نلوم الإستشاريين ونتراخى في التنفيذ، وهذا التراخي سيكلفنا الوقت والمال وضياع الفرص ويؤثر سلباً على مستقبل هذا الجيل والأجيال القادمة، وربما يعود كابوس تحول المملكة العربية السعودية من مُصدر للبترول إلى مستورد له.
واليوم وبعد مرور مايقارب الثلاث سنوات على كتابتي لتلك السلسلة من المقالات ومايزيد عنها بثمانية أشهر من إطلاق الرؤية، وإقترابنا من سنة مراجعة ماتحقق في خلال برنامج التحول 2020، لاشك أن الجميع قد رأي بعينه التغيير الذي حدث، كما أن لغة الأرقام توضح حجم الجهود التي بُذلت، ولعل آخرها تحقيق المملكة المركز الأول عالمياً كأكثر دول العالم تقدماً وإصلاحاً في تقرير سهولة ممارسة الأعمال 2020 الصادر عن البنك الدولي، إضافة لتجديد شباب الحكومة والذي تم بشكل واضح. ولكن يبقى أنه رغم وجود مجموعة من الكفاءات الشابة تعمل بكل جد لتحقيق الحلم، فإن هناك مجموعة أخرى من أفراد المجتمع مازالت بعيدة عن العمل وفق رؤية الوطن، وما زالت تبحث عن وجوه التقصير وتنسب كثير من التحولات السلبية إلى الرؤية!. ولأن تلك الرؤية كما ذكرت سابقاً هي جهد مشترك من الجميع للوصول إلى حياة أفضل في المستقبل، فإنه المفترض أن يساهم تحقيق أهدافها في تقدمنا في مؤشر رأس المال الإجتماعي أو مايُعرف بمؤشر الإزدهار، وللأسف فقد حدث العكس!
توضح مؤشرات قياس الأداء التي أطلعت عليها مؤخراً تراجعنا في مؤشر رأس المال الإجتماعي إلى المرتبة 49 بعد أن كنا في المرتبة 26 عالمياً وقت إعلان الرؤيه. والمعروف أن رأس المال الاجتماعي أو مايُعرف بمؤشر الإزدهار يسهم مساهمة فعالة في تنمية رأس المال البشري. كما أنه يساعد على إكثار العلاقات الإيجابية والقيم الإيجابية التي يستطيع أفراد المجتمع من خلالها تحقيق أهدافهم، وأهداف الجماعة التي يعيشون في كنفها. وقد كان هدف رفع مؤشر الإزدهار أو رأس المال الإجتماعي من المرتبة 26 عالمياً إلى المرتبة 10 بحلول العام 2030م على رأس أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
تكمن أهمية رأس المال الاجتماعي في أنه يُعد أحد أهم أصناف رأس المال في العصر الحديث وأكثرها غموضاً على الإطلاق، وهو يختلف عن الصور الأخرى لرأس المال لأنه لا يوجد في الأشخاص ولا في الواقع المادي وإنما في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، فهو مجموعة من العلاقات والروابط الاجتماعية التي يكوَنها وينضم إليها مجموعة من الأفراد في إطار بناء اجتماعي ولخدمة أهداف مشتركة, ويُعدَ تراكم هذا الصنف من رأس المال مفتاحاً لنمط جديد من التنمية هي الأكثر إنسانية واستدامة في نفس الوقت. وفي النهاية فإنه اعتبار قوة ومتانة روابط رأس المال الاجتماعي في مجتمع ما هي طوق النجاة من كل المخاطر الداخلية والخارجية التي تستهدف وحدة واستقرار المجتمع.
لذا فإنه أصبح من الملح في الوقت الحاضر أن تتم بذل جهود مضاعفه لمعالجة ذلك التراجع من خلال مختلف الوسائل والجهات المؤثرة للنهوض برأس المال الإجتماعي من جديد وتحقيق أحد أهداف رؤيتنا الحلم، وقد عرف البنك الدولي رأس المال الإجتماعيبأنه “جملة من المعايير المؤسسية السائدة في مجتمع ما والقادرة على صياغة وتشكيل نوعية الحياة للفرد في المجتمع وهو أقرب ما يكون للمادة اللاصقة أو الغراء التي تشد أطراف المجتمع لبعضه البعض”، وهذا سيكون له دور في تحقيق أحد أهم برامج الرؤية وهو برنامج جودة الحياة.
فالمعروف أن برنامج جودة الحياة 2020 يعمل على تحسين جودة الحياة في المملكة، من خلال محورين هما:
• محور قابلية العيش، والذي يعمل على تحسين البنية التحتية من خلال الارتقاء بالنقل، والإسكان والتصميم الحضري والبيئة، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية والتعليمية، والأمن والبيئة الاجتماعية.
• ومحور تطوير أنماط الحياة، والذي يعمل على تطوير أنماط الحياة من خلال تفعيل مشاركة الأفراد في الأنشطة الترفيهية والرياضية والثقافية والمشاركة الاجتماعية.
وكلا هذين الجانبين مهمين للوصول إلى الهدف المطلوب لتعزيز جودة الحياة، كما أن البيئة الاجتماعية والمشاركة الاجتماعية قد وردتا في كلا المحورين، وكلاهما منبثق من رأس المال الإجتماعي، وهذا يؤكد أهميته وضرورة الإلتفات إلى دراسة أسباب تراجعنا في مؤشراته، والعمل على إصلاحها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال