الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مهددات بقاء واستمرارية الشركات لا يتوقف على الأداء الإداري والمالي والصعوبات الاقتصادية، فبالإضافة إلى ذلك فإن هناك أسباب عديدة أدت بشركات كبيرة إلى السقوط في فترة كان يشار لها أنها متينة مالياً وفي وضع تنافسي جيد. يميل المهتمون في مجالات الحوكمة وأصحاب الرأي إلى الحديث عن ضعف “حوكمة الشركات” في الغالب كردة فعل على الأحداث السلبية والفضائح التي تطال المنظمات وحالات الإفلاس، وكتعليقات نشاهدها في صحافة المال والأعمال تمتلئ بتساؤلات مثل؛ كيف أن هذه الشركة كانت تمنح ذلك القدر من المزايا إلى الرئيس التنفيذي؟ لماذا كان أعضاء مجلس الإدارة يتقاضون كل تلك الحوافز التي لا تتناسب مع الأداء المالي للشركة؟ كيف فات على الوظائف الرقابية في تلك الشركة هذه التجاوزات؟ لماذا لم يتم الكشف المبكر من قبل الأجهزة الرقابية؟ وغيرها من التساؤلات التي باتت مألوفة في مثل هذه المواقف.
يكمن جزء كبير من تردد مصطلح الحوكمة في التعليق على الأحداث السلبية تجاه المنظمات لما يتيح لمستخدمه من مساحة واسعة في المعنى، وشمولية في التغطية. قد يكون مثل هذا الاستخدام صحيحاً ومقصوداً لذاته لأنه نابع من استيعاب مفاهيم الحوكمة الأساسية، ابتداءً من مشكلة الوكالة والمتمثلة في تضارب المصالح في العلاقة بين الملاك والتنفيذيين أو بين الإدارة وبقية أصحاب المصلحة، وكذلك الاتجاهات الرئيسية للحوكمة لضمان مصلحة كافة أصحاب العلاقة والتي تنظم الصلاحيات، وعملية اتخاذ القرار، والرقابة والمسائلة. ولكن نتلمس كمتلقين وقراء من سياقات الكلام أن هناك افراط في استخدام الحوكمة في تفسير كثير من الظواهر، ولبس في فهم المعنى، واستخدامه أحياناً بشكل خاطئ كمرادف لمفاهيم مثل الجودة وضبط العمليات أو للتعبير عن خلل بعض وظائف الحوكمة كالرقابة الداخلية.
لعل في سوء استخدام الحوكمة ومفاهيمها علاقة في الحداثة النسبية لتطبيقات الحوكمة؛ فمن المعلوم أن الحاجة للحوكمة نابع من التطور الكبير في الشكل القانوني للمنشأة التجارية. فبينما كان الشكل التقليدي للعمل التجاري هو في اندماج الملكية والإدارة في شخص صاحب العمل، تطور هذا إلى الحاجة لتوكيل من يتولى شؤون الإدارة، ثم تعقّد نموذج الملكية في الشكل الحديث لشركة المساهمة العامة، وتزداد الحاجة إلى الحوكمة كلما اتسعت الهوة بين المالك والعمل. وتبلوُر المفهوم هو لاحق لتطور تطبيقاته، ولعل هذا ما تدل عليه دراسة نشرت في 2016م أشارت أنه حتى 2015م ورد ذكر “حوكمة الشركات” أكثر من 11 ألف مرة سواءً كعنوان رئيسي أو في ملخص الأوراق العلمية في موقع شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية (SSRN) في مقابل 3500 فقط في 2006م، وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن إصلاح “حوكمة الشركات” هو ردة الفعل المفضلة لصناع السياسات تجاه طيف واسع من المشاكل في إشارة إلى الهوس تجاه هذا المصطلح.
إن درجة النضج في المصطلح وتطبيقاته تتباين بين نموذج المنشأة التجارية وغيرها من المنظمات، والدعوة إلى العودة إلى المفاهيم الأساسية هو لترشيد استخدام تطبيقات الحوكمة في مختلف أشكال المنظمات، خصوصاً في ظل حراك التغيير الحالي. تطبيع المفاهيم الأساسية -لا التطبيقات- مهم لقادة التغيير والمشتغلين في صناعة السياسات والمكاتب الاستشارية وذلك للحد من الاستخدام المجرد من المعنى، والقولبة السلبية للتطبيقات الجاهزة للهياكل التنظيمية والوظائف الرقابية، ومهم أيضاً لأصحاب الرأي والمهتمين للاستفادة القصوى من التجارب المحلية والأحداث، واستخلاص العبر منها. ما يصلح للشركات الهادفة للربح ليس بالضرورة صالحاً للمنظمات غير الربحية أو الشركات الحكومية ومن باب أولى الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال