الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لعلكم تذكرون في بدايات الثمانينات العمل الفني الكويتي الرائع بساط الفقر للقديرين المرحوم عبد الحسين عبد الرضا والقديرة متعها الله بالصحة والعافية سعاد عبد الله ونخبة نجوم الفن الكويتي ، إبراهيم الصلال ، محمد جابر ، وهو من وإخراج القدير فيصل الضاحي وتأليف الشاعر المرحوم فائق جلال والذي تُرجمت بعض قصائده ودواوينه الى اللغة الفرنسية ودرست في عدد من الجامعات ، يجسد هذا العمل الفني الكثير من الأبعاد الفلسفية في مفاهيم وحكايات الفقر المتنقل عبر بساطه بين دول العالم وما يمكن ان يثبته الفقر من تحدي وتجاوز لأزمات عديدة من أهمها الحب والزواج والسعادة بأقل المتاح ، هذا الحب تحديدًا الذي كان ولا يزال في مفاهيمه من اغلى الثروات في الحياة إضافة الى حضور كافة أنواع السلع والخدمات والمصطلحات الإقتصادية المتنوعة في معطيات هذا العمل المختلفة ، ما يريد هذا العمل إيصاله تحديدًا ان الحب والتعايش لا يباع ويشترى بالمال وان الفقر مشكلة اقتصادية عالمية .
لطالما دعا كبار المفكرين الإقتصاديين عبر المدراس الإقتصادية الحديثة الى اهمية معالجة الفقر كمكون أساسي في محاور التنمية الإقتصادية للمجتمعات وإعطاء الفرد الفرص المجتمعية والإقتصادية في اطار من التشاركية والنفعية وتوفير سبل العيش الكريم ، بيد ان هذا الفكر لم يكن في يوم ما قاصراً على المراجع والكتب والتنظير ذلك انه في حقيقة الأمر تحول الى ممارسات حقيقية من خلال المنظمات الدولية والدول التي أسهمت في هذا الحراك الدولي نحو مساعدة معظم الدول الفقيرة ومن ذلك ما قدمته وتقدمه المملكة من دعم لامحدود للدول الفقيرة ومنها الإعلان في العام الماضي عن مبادرة إعفاء الدول الأقل نمواً من سداد أكثر من 6 مليارات دولار من ديونها المستحقة، لتوصل المملكة دورها الإنساني والدولي في دعم الإنسانية .
وانه لمن المهم ان تواصل الدول والمنظمات دورها في التوسع أكثر وبناء اعمال مشتركة لتكون النتائج اكثر في ظل المتغيرات العالمية والفروقات الدخلية التي تتسع فيها الهوة كثيرا بين دخول الأفراد في معظم دول العالم المتقدمة والفقيرة ، لقد ارتبطت النظريات الإقتصادية بقضايا الفقر فعندئذ نادى المُفكّر الإقتصادي الكبير جون ستيوارت مل بدولة الرفاهية Welfare State في كتابه الإقتصاد السياسي عام 1849 والذي قامت مبادئه على اهمية الواقع الاجتماعي للفرد وتعزيز مسؤولياته نحو الحرية التنافسية لضمان العدالة في الانتاج ، وما أضافه من حلول في معدلات الاجور وبالرغم من محدودية التشريعات آنذاك الا ان مل قد عالج اي تبعات بالقيم السلوكية والأولويات الاجتماعية في الاحتواء العقلاني وتنمية التحولات في اعادة توظيف الكفاءة في الانتاج ومع ذلك استمرت المدراس الحرية في الإقتصاد في مناقشة مشكلة الفقر من خلال عدالة التوزيع لعقود طويلة وهو ما يوصلنا الى ان جميع النظريات الإقتصادية قد اتفقت على تعريف الفقر بمفهوم واحد وهو انعدام الفرص والخيارات وما اختلف هو حدوثه وفق الظروف الإقتصادية المجتمعية وأطر التنمية البشرية إجمالاً ، ثم أن الأزمة الإقتصادية التي عصفت بالعالم عام 1929 دفعت بالمجتمعات والمنظمات والإقتصاديين الى معالجة هذه القضايا ومع ذلك لايزال حتى عصرنا الحاضر يتزايد اعداد الفقراء حول العالم.
لايزال البنك الدولي ووفق تقاريره المنشورة يعمل جاهدا على رفع مستوى المعايير وتقليص حجم هذه المشكلة للحد من الفقر وتحفيز النمو عن طريق الحلول المتعلقة بمشكلة البطالة، ومساعدة منشآت الأعمال الصغيرة، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية والتنمية البشرية، وإحداث تحوُّل في الإقتصاد الريفي، وتعزيز إدماج النساء في النشاط الإقتصادي حيث اصبح واقع المعالجة يتجه الى المستوى التطبيقي ضمن منظومات دولية ومجتمعية تحاول جاهدة ان تردم الهوة بين مستويات الدخل وتعزيز كفاءة تنمية الموارد البشرية وتوسيع اطر التعليم والإنتاج وتوسيع النشاط الإنساني وتقديم التمويل الإنمائي بما يواكب التحولات الجديدة في مفاهيم الإقتصاد الحديث ، ولقد نشر البنك الدولي مؤخرا تقرير حول الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي 2019، قال فيه : دعا مؤيدو المؤسسة من الصين وفرنسا وهولندا والمملكة العربية السعودية والسويد والمملكة المتحدة إلى زيادة التأييد للعملية التاسعة عشرة لتجديد موارد المؤسسة ، مما يعني المضي قدما بهذه الجهود نحو المزيد من الحراك الدولي الفاعل .
مجمل القول : الاهتمام العالمي واتجاهات الحلول النوعية لمعالجة مشكلة الفقر ترتبط بأسس التعليم والتقنية والدراسات الإقتصادية التي تضع الحلول التطبيقية نحو عالم مترابط متعايش ومن هنا فقد تشكل احد الاهتمام به ما تم الاعلان عنه مؤخرا في جائزة نوبل لهذا العام والذي فاز بها الأميركي أبهجيت بانيرجي، المولود في الهند، والفرنسية الأميركية استر دوفلو، والأميركي مايكل كريمر عن أعمالهم حول الفقر عن طريق إدخالهم مقاربة جديدة للحصول على أجوبة موثوقة حول أفضل وسيلة للحد من الفقر في العالم وخلصت أبحاثهم أنه حتى الاختلافات البسيطة في الأسعار يمكن أن تؤدي إلى نتائج صحية مختلفة بشكل كبير، وخاصة في الرعاية الوقائية ، اليوم اقتصاديا لا يمكن القضاء تماما على مشكلة الفقر ولكن يمكن التخفيف من تباعته او درجاته في معظم المجتمعات من خلال ممارسات تطبيقية وتعاون مجتمعي يبدأ تحديدا من مفاهيم الإقتصاد الإنتاجي والتنموي وذلك عندما توظف عناصر الإنتاج ( الموارد الطبيعية ، العمل ، رأس المال ) التوظيف الأمثل ليكون الإقتصاد الحديث لاعباً مهماً في التحول الثقافي والتقني واكتشاف الفرص ودعم أطر الاستدامة والتنوع الافقي للأنشطة الإقتصادية ومرونة مزاولتها .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال