الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما نسمع كلمة (الاقتصاد الدائري المنخفض الكربون) سرعان ما يتبادر إلى الأذهان الاحتباس الحراري، اتفاقية باريس للمناخ، خفض الانبعاثات الكربونية أو استخدام الطاقة المتجددة ونعتقد أن الحل فقط في تغيير أنظمة الطاقة وهذا بالطبع غير صحيح. في الواقع أن هذا المفهوم أشمل وأعم من ذلك، فهو مفهوم اقتصادي، اجتماعي ودبلوماسي قبل أن يكون بيئي ولذلك جعلت وزارة الطاقة هذا الطرح على قائمة جدول أعمال قمة مجموعة العشرين التي ستستضيفها المملكة العام المقبل 2020.
الهدف من هذا الاجراء هو تعزيز مكانة المملكة كقائد في معالجة انبعاثات الكربون عن طريق الاستراتيجيات الأربعة المعروفة والتي تشمل الخفض، وإعادة الاستخدام، والتدوير والتخلص، لتحقيق التوازن لدورة الكربون بنفس الطريقة التي تحدث في الطبيعة. وهو عكس الاقتصاد الخطي السائد حاليا والتي يتم فيها حرق موارد الكربون ليتم انتاج الطاقة بشتى اشكالها وهذا هدر لموارد الكربون الثمينة والتي يمكن استخدامها كيميائيا كمواد خام لانتاج سلع أخرى ذات قيمة مضافة بالاضافة إلى أنه يتعارض مع الجهود الدولية للحد من انبعاثات الكربون وزيادة كفاءة الموارد وحفظها.
ولاشك أن المملكة قد حققت تقدما ملموسا في تقليل الانبعاثات الكربونية (1.8% من انبعاثات الكربون العالمية) وهي من أكبر الدول انتاجا للنفط وتسبق دول كبرى لا تزال دون المستوى كالصين (27.2%) و الولايات المتحدة (14.6%) والناتجة من نشاطاتهم الصناعية.
في رأيي هناك عدة قطاعات يجب أن تتعاون مع قطاع الطاقة لتساهم في التحول من الاقتصاد الخطي للوصول إلى اقتصاد دائري كربوني ناجح كقطاع الكيميائيات وادارة النفايات والاسكان والتي تتضمن أقوى الاستثمارات من ناحية التقنيات والبنية التحتية. هذه القطاعات تحتاج إلى ابتكار تقنيات مستمرة بهدف الحد من التكاليف وزيادة العوائد. فعلى سبيل المثال بدلا من الاستمرار في المسار الحالي في انتاج الكيميائيات من النفط مباشرة والحرق، فالافضل هو تحسين وتطوير التقنيات والعمليات لانتاج الكيميائيات من النفايات الناتجة من تكرير النفط لانتاج الكيميائيات بدون أن يكون هناك أي تغيير جذري في سلاسل الانتاج لدعم التحول إلى الاقتصاد الدائري للكربون. فمثلا تشكل الأولفينات خاصة الآيثلين والبروبلين، أكبر مجموعة من الكيميائيات الوسيطة (وخاصة بالنسبة لانتاج البلاستيك) مع انتاج سنوي قدره تقريبا 22 مليون طن من النفط الخام في السعودية. وقد قامت سابك بانشاء أكبر مصنع في العالم لاستخلاص ثاني أكسيد الكربون وتنقيته وتخزينه حيث يستخدم نصف مليون طن من هذه الانبعاثات لانتاج سماد اليوريا بهدف حماية البيئة وتعزيز النمو.
ويجب أن يمتد هذا التأثير للمجتمع المحاط بالتقنيات والوسائل المادية المريحة التي تشكل تصرفاتهم وانماطهم السلوكية حيث يمكن بريط هذه التقنيات بالبنية التحتية للمدينة من زيادة الوعي بشكل كبير بين المواطنين لموارد الكربون المختلفة وكيفية تدويرها والحفاظ عليها. هناك أمثلة والتي تمثل جزء من ممارسات المجتمع والتي ممكن أن تساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية والتي تتطلب تضامن القطاعات المختلفة منها على سبيل المثال اعتماد تصميم مباني ملائمة للمناخ مع احتوائها على تقنيات ذكية لترشيد استهلاك الطاقة تكون مدعومة مثلا بخلايا شمسية لانتاج الطاقة الكهربائية.
وحسب توقعات شركة “ستراتيجي إن” سيولد هذا النوع من البناء فوائد تراكمية لأكثر من 23 مليار دولار لدول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2020 و 2030. أما بالنسبة لدور القطاعات في تأسيس البنية التحتية فهناك محاولة للاعتماد التدريجي على وسائل الطاقة المتجددة ومنها النووية للاستعاضة عن حرق الوقود الاحفوري في محطات توليد الكهرباء واستخدامه في انتاج مواد ذات قيمة مضافة.
وللوصول إلى الهدف علينا التركيز على إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة محلية وشراكات تجارية عالمية (استهداف الشركات المبتكرة والجهات الفاعلة الرائدة في هذا المجال) وتطوير مشاريع تجارية وتشجيع استخدام تقنيات الاقتصاد الدائري الكربوني في الأعمال التجارية وتصميم عمل متكامل يتضمن جميع المراحل من تحديد الفرص إلى الفاعلية. وبالتأكيد هذه الاجراءات سوف تساهم في ايجاد فرص عمل وفرص استثمارية قوية للمملكة تتماشى مع التوجهات العالمية في التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة وبالتالي تنسجم أيضا مع رؤية المملكة 2030 واهدافها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال