الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدثنا في المقال السابق عن الأبعاد الاقتصادية للإعلام الجديد، ومن وجهة نظري فإن التطورات التكنولوجية الأخيرة مثلت عمودًا فقريًا لكافة أشكال التقدم في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والإجتماعية.. وغيرها، بل إنها تفاعلت مع كل تلك المجالات، تأثيرًا وتأثرًا، بما يفتح المضمار لآفاق جديدة تنطلق نحوها البشرية بوتيرة متسارعة تحددها كثافة تلك التطورات وعمقها، وفي اتجاهات تحددها –أيضًا– دوافع تلك التطورات وأهداف الفاعلين والأطراف المسيطرة عليها والمستفيدين منه.
وفي خضم ذلك لم ينفصل الإعلام عن تلك التطورات، بل إنه كان أكثر المجالات تفاعلاً معها، فلم يقتصر تسارع وتيرة التقدم عليه فحسب، بقدر ما تغير شكله ومضمونه.
وتزامنًا مع تلك الطفرة التي طرأت على الإعلام وأشكاله الجديدة، باتت الجهات المسيطرة بحكم ما يتوافر لديها من مقدرات مادية وتقنية في موضع المهيمنة، وهي تخضع إلى منظومة الرأسمالية العالمية بالأساس، وهو ما لم ينفصل عن التطور الذي طرأ على الجوانب الاقتصادية لتلك المنظومة الديناميكية؛ فظهر ما يعرف باقتصاديات الإعلام الجديد، وذلك إشارة إلى الجوانب الاقتصادية المتصلة بالتطورات التكنولوجية وتأثيرها على العمل الإعلامي؛ إذ لم تعد تلك الممارسات مجرد أنشطة خدمية، وإنما باتت منتجات تهدف إلى الربح في المقام الأول.
كما أن الطفرة التكنولوجية التي طرأت على الإعلام الجديد تزامنت مع تغيرات هيكلية كبيرة في نمط الإنتاج والتسويق والإعلان والاستهلاك للمادة الإعلامية، وهو ما يبرز العديد من الأنشطة الجديدة في المجالات الإعلامية، فضلاً عن التغيرات التي طرأت على إدارة المؤسسات الإعلامية وأشكال تنظيمها واستراتيجيتها، فانعكست تلك التحولات على كافة جوانب اقتصاديات الإعلام بشقيه التقليدي والحديث، وفي مقدمتها مسألة التسعير والدفع الإلكتروني لشراء المادة الإعلامية وغيرها، كعمليات الإنتاج والتوزيع والتسويق والإنتاج والتسويق الرقمي.
إلا أن المشكلة الرئيسة في الإعلام الجديد وشبكاته تتمثل في أن اقتصادياته للمستفيدين منه لا تزال في مرحلة التكوين، في الوقت الذي تنمو فيه شركاته ومؤسساته الأصلية والمطورة والمالكة لهذه الشبكات الإعلامية الإجتماعية بشكل ضخم وهائل.
فأصبحت لتلك الشركات قيمها المالية وعوائدها التي تنافس بها شركات الطاقة والصناعات الثقيلة، كما هو الحال بالنسبة إلى شركة “ميكروسوفت”، والتي بدأت بشكل تنافسي في مجال نظم تشكيل الكمبيوتر وبرامج الإنترنت، لكنها بفضل ما تتمتع به من نفوذ مالي فقد تعزز وضعها الاحتكاري،ومن ثَمَّ، فإنها تسعى دائماً لتقييد المنافسة ووضع القيود أمام دخول منافسين لها يجدون في منافستها تكلفة باهظة لا قبل لهم بها .
وما يدلل على ذلك ما منيت به شركة “إنتل سكيب” منذ سنوات، حينما حاولت طرح برنامج “نت سكيب” فقابلتها شركة “ميكروسوفت” بطرح منتج “إنترنت إكسبلورر” بالمجان؛ وهو ما يعزز التطورات التي طرأت على كافة مراحل صناعة الإعلام الجديد كالإنتاج والتوزيع والتسويق والبيع، وصولاً إلى معدلات الربحية، ودعم قدرتها التنافسية التي تنطوي عليها الهيمنة الرأسمالية، والتي تؤثر بالسلب على صناعة الإعلام الجديد كتهديد المنتجات البديلة التي قد تعوق قدرة الشركات على رفع الأسعار، فضلاً عن إعاقة دخول هذه الصناعة، إذ إنها صناعة تنافسية في المقام الأول، ومن ثَمَّ فإن الممارسات الإحتكارية تعني ارتفاع الأسعار ووفرة المنتجات الرقمية ، مما ينعكس بدوره على صناعة الإعلام، كما أن القوة الشرائية تمنع المنافسين الجدد من دخول السوق مما قد يعيق دخول الصناعة، فالإنطلاق من الأسواق التنافسية قد يفضي في غالب الأحيان إلى هيمنة رأسمالية وسيطرة احتكارية خطيرة، وهذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال