الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يزال الحديث مستمراً إزاء المعوقات والتحديات التي تواجه تطبيق نظام الجامعات الجديد؛ والتي أسعى من خلال تبيانها إلى توضيح الفجوات التي ينبغي ردمها قبل سلوك طريق الاستقلالية بالنسبة للجامعات.
ثالثاً: إن استقلال الجامعات يجب أن يكون البوابة الواسعة نحو إلغاء البيروقراطية القاتلة والموضوعة عند كل مرحلة للنهوض من الركود الذي خلدت فيه جميع المؤسسات في العالم العربي، فنلحظ حالياً تحكم نظام بيروقراطي عقيم من أجل مراقبة كل صغيرة وكبيرة؛ مثلً مراقبة كيف صرف مبلغ شراء جهاز بحثي أو تكاليف التسجيل في مؤتمر دون أن تنتظر سنة أو سنتين حتى تستلم موافقة من خمسة لجان ليس لها أدنى علاقة بالبحث العلمي وهمهم الوحيد هو العرقلة، كل هذا يعتبر هراءً وعبثاً و”تطفيشاً” للباحث، أضف الى ذلك أنه لا توجد أي مساحة حرية في الصرف بناءً على حاجة البحث الا عبر المرور بتعقيدات إدارية ومالية ونماذج كثيرة مملة فينتج من ذلك ضعف الحركة البحثية بسبب التعقيدات الإدارية وضعف توافق الدعم اللوجستي مع مقدار الدعم المالي الموجّه، ولذلك يجب لزوماً أن تخرج الجامعات من نظام البيروقراطية المركزية القديمة في إدارة شئونها ونشاطها البحثي إلى بيئة منفتحة تعزز نشاط البحث العلمي وتدعم الابداع الفكري، والا فلا فائدة تذكر من الاستقلالية اذا لم تشمل الحرية تشكيل منظومة الجامعة الإدارية.
رابعاً: ضعف الدعم الحكومي اللوجستي، فمع الأسف لا توجد آلية واضحة لاستقطاب الطلاب الغير سعوديين لأجل التقديم على برامج الدراسات العليا بدون أن تمر أوراق التقديم على دهاليز الوزارة، فعلى سبيل المثال: توجد صعوبة بالغة في الحصول على تأشيرات خاصة لباحثي طلاب الدكتوراه، أو حتى تقييد الجامعات بطلاب المنح القليلة جدا وبالطلبة غير المتفرغين، من هذا المنطلق فإني أقترح فتح المجال لطلاب الدراسات العليا من خارج المملكة بشكل أوسع عن طريق تسهيل التأشيرة أسوة بالتأشيرة السياحية، وعندما ننظر الى جامعة الملك عبدالله فحن نجد الأمر مختلفاً تماماً؛ ولذلك نلحظ لديها حركة علمية بحثية ممتازة ودؤوبة بغض النظر على “انغلاقها” وبعض الملاحظات الأخرى قياساً على عمرها الزمني القصير نسبياً، وكنت أنا وغيري طالما نتساءل: لماذا جميع الأمور ميسرة لديهم وليس الأمر كذلك في الجامعات الأخرى؟ وهذا لغز يحتاج الى حل! لذلك فأنا مع الاستقلال الإداري الذي يؤيد إعطاء الجامعات الصلاحية الكاملة في التوظيف، وأن تسعى إلى معالجة القصور الإداري والتنظيمي فيها، وأن تُفتح برامج أو أقسام جديدة وفق الاحتياجات التنموية ووفق الرؤية الاستراتيجية للجامعة، أو غير ذلك من الأمور الأكاديمية بدون أي تدخلات جانبية؛ كل ذلك سيؤتي أكله في القضاء على البيروقراطية القبيحة والمعيقة في جامعاتنا.
خامساً: وجود وهن في البيئة البحثية والحوافز في الجامعات بشكل عام، ولذلك يجب أن نعمل على استقطاب المزيد من الفنيين والأساتذة الجامعيين بطرق وبنود وعقود أسهل وأسرع؛ شاملاً ذلك حزمة من المميزات المغرية -مثل التأمين الطبي وبدل سكن وبدل تعليم الأطفال.. إلخ- من أجل ضمان الحصول على جودة تعليم ونشاط بحثي عالي وإلا فلن نستطيع استقطاب أعضاء هيئة تدريس مميزين، كذلك فمن الواجب تشجيع عضو هيئة التدريس الناشط بحثياً؛ بحيث يخفف عليه العبء التدريسي إذا كان متميزاً في النطاق البحثي، أو حتى إزالة عبء التدريس كلياً عنه اذا استطاع الحصول على دعم مالي؛ بحيث يحول عبء تدريسه الى أستاذ اخر يستطيع التركيز في التدريس بشكل أكبر ويستفيد الأخير مالياً؛ وهذا هو النظام المتبع في جامعات دولية، من أجل التحفيز أيضاً يجب إلغاء روتين الموافقات “البلهاء” على المؤتمرات وورش العمل وتكون بطريقة أكثر سلاسة، وأنا أرى أن أفضل نموذج لعمل ذلك هو أن يعطى الأستاذ ميزانية سنوية حسب نشاطه العلمي ويستخدم الميزانية للمشاركات الخارجية سواء له أو لطلابه بشكل حر، يجب أيضا إلغاء برامج التعاون البحثي الهزيلة في بعض الجامعات مثل برنامج زمالة عالم الذي يدعو باحثين عالميين لنشر أبحاثهم مع وضع انتماءهم البحثي للجامعة السعودية مقابل مبالغ ضخمة (أي حسب العقد المبرم)، لاشك أن مثل هذه البرامج غير مفيدة للجامعة أو للطلاب أو أعضاء هيئة التدريس وان كان الغرض منه لرفع التصنيف العالمي “وهمياً”؛ بل هو في نظري دفع مقابل النشر مما يساهم في تشويه سمعة الجامعة، لذلك كيف يقبل مدير الجامعة بمثل هذه المهازل؟!
سادساً: يجب العمل على إعادة الهيكلة الادارية و أولا التخلص من “الديناصورات” وأصحاب العقليات القديمة في الجامعات، بعد ذلك نشكل مجلس أمناء مستحدث يشمل الخبراء من الأكاديميين والاستشاريين وان كانوا دوليين لوضع الخطط والاستراتيجيات واختيار النموذج التعليمي الأكثر ملاءمةً لتوجهات الجامعة الاستراتيجية، والعمل على متابعتها وتنفيذها من أجل رفع الكفاءة التعليمية وحل الإشكالات بما في ذلك إنشاء أوقاف خاصة بالجامعة، وإنشاء الشركات الاستثمارية، وتقديم الخدمات الاستشارية، وأيضا وضع السياسات الاستثمارية وخطط التمويل وإقرار ميزانية الجامعة… إلخ، اقترح أن يتم اختيار مدير الجامعة عن طريق نظام التصويت وأن يكون كرئيس تنفيذي للجامعة، والذي يعمل مع أعضاء المجلس بترشيح النواب وتكملة أعضاء المجلس، يجب ألا يكون المجلس بيروقراطياً؛ بل يجب إعطاء الصلاحيات المناسبة للوحدات الأكاديمية والإدارية في الجامعة؛ بل حبذا أن يتم إشراك فئات المجتمع الأكاديمي في اتخاذ بعض القرارات، وأن يكون الاجتماع بشكل دوري ومنتظم حتى لا تتعطل الكثير من الأمور في الجامعة.
خلاصة القول أن البحث العلمي في الجامعات الخارجية لديه آلية واضحة بشأن دعم طلبة الدكتوراه وأبحاث ما بعد الدكتوراه وبشأن المشتريات والفنيين… إلخ، لكن نحن ما زلنا في مرحلة ماهي المعوقات التي تعيق البحث العلمي لدينا، يبدو أن لدينا حلقة مفقودة بين المسؤول ومنفذي الأبحاث التي لم تنفع معها حلقات النقاش ومؤتمرات البحث العلمي والاستبيانات وغيرها، ندائي الشديد هو أن يكون لدينا خطة استراتيجية ملموسة لمواجهة هذه الإشكاليات مع خلق جو بحثي مؤثر ومستدام، أتمنى أن يكون توجه استقلال الجامعات هو من أجل حل أهم هذه الإشكالات المطروحة وأن يسعى الى تقديم المميزات المحفزة من أجل تحسين بيئة البحث العلمي، وليس فقط التحرر من القيود المالية المفروضة على الحكومة، أرى أن الاستقلالية الكاملة بأركانها الثلاث: المالية والأكاديمية والإدارية غير متكاملة الأركان حاليا، وذلك لصعوبة تأمين الاستقلال المالي -والذي هو أهم ركن في الاستقلال- ولنقص الخبرة، ولكن قد يكون التوجه نحو الاستقلالية الجزئية أو المتدرجة هو أحد الحلول الناجحة حالياً، ولاشك بأن الجامعات ليست سواء، فمن المستحيل أن تعامل جامعة الملك فهد مثلما تعامل إحدى الجامعات الناشئة في بلادنا، على أية حال فأنا أرى بلزوم الاستفادة من تجربة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ولا شك لدي أن اقتصاد بلدنا ورؤية ٢٠٣٠ يحتاجان إلى نقلة نوعية في الجامعات واستقلال تام والتفكك من البيروقراطية الغابرة، حتى يكون الاستقلال هو الداعم لبيئة بحثية وتعليمية متقدمة و مُنتِجة بل ومُنافِسة؛ وإلا فلا طائل من الجهد وسكب الحبر!
البريد الإلكتروني: balmangour@gmail.com
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال