الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُعد “الاقتصاد الأزرق” وجهة جديدة للإستثمار في الموارد المائية، بل يعتبر من أهم مواضيع التنمية المستدامة.
“الاقتصاد الأزرق” يهدف لإدارة جيدة للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات بشكل مستدام للحفاظ عليها من أجل الأجيال الحالية والمستقبلية، كما ويعتبر “الاقتصاد الأزرق” دافعا لتطوير الآليات والإجراءات التي تدعم الأمن الغذائي، والتنمية المستدامة للموارد المائية.
“الاقتصاد الأزرق”، هو المفهوم الذي أنشأه رجل الاقتصاد البلجيكي Gunter Pauli، وهو يتمحور حول فكرة مفادها أن الشركات لابد أن تستخدم كل الموارد المتاحة لها وأن تعمل على زيادة الكفاءة من أجل إنشاء محفظة من المشاريع المترابطة التي تحقق الفائدة لها وللمجتمع.
ويهدف هذا الاقتصاد إلى حماية الموارد المائية، بل ويعد من أهم جبهات التجارة الداخلية والخارجية، حيث يوفر لنا كماً هائلاً من الثروات من خلال الاستثمار في الموارد المائية من جهة، واعتباره بوابة لنقل البضائع والسلع من جهة أخرى، لذلك فهو يقدم للدول سبلاً لتعظيم اقتصادياتها بعيداً عن الطاقات الناضبة والتي تعد تهديداً للبيئة واستنزافاً لحقوق الأجيال القادمة.
ويعمل “الاقتصاد الأزرق” على تحفيز وتطوير السياسات والإستثمار والإبتكار في مجال الأمن الغذائي، حيث شهدت عدة دول صناعية تنمية لاقتصادها على نحو كبير من خلال إستغلال الموارد البحرية من خلال عمليات الشحن، الصيد التجاري، كما يوفر لها فرصة كبيرة لتعزيز نموها الاقتصادي.
يسعى الاقتصاد الأزرق إلى تعزيز النمو الاقتصادي، والإدماج الإجتماعي والحفاظ على سبل المعيشة أو تحسينها مع ضمان الاستدامة البيئية في الوقت نفسه، وجميع القضايا جزء لا يتجزأ من خطة عام 2030 والتي تهدف لبناء اقتصاد أزرق، من خلال التركيز على مفهوم الاستدامة، ورغم حداثة مصطلح “الاقتصاد الأزرق”، إلا أنه أصبح يحظى بإهتمام كبير، تجاوز الحدود الأكاديمية والبحثية، إلى دوائر صنع القرار الاقتصادي والسياسي في عديد من دول العالم، خاصة أن الأصول البحرية في العالم التي تحتوي على كنوز تقدر بنحو 24 تريليون دولار.
ومع بلوغ قيمة الاقتصاد الأزرق نحو 1.5 تريليون دولار سنويا، فإن تعريفاته الأكاديمية للمصطلح تتمثل في الاستخدام المستدام لموارد البحار والمحيطات من أجل النمو الاقتصادي، ويرمي إلى صياغة سبل حسن إدارة تلك الموارد خاصة المائية منها، والعمل على حماية البحار والمحيطات بشكل مستدام.
وتنبع أهمية الإهتمام المتصاعد بالاقتصاد الأزرق إلى تقديمه بعض الحلول ولو جزئيا لقضية التغيير المناخي، خاصة مع ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات التي تمثل تهديداً لعديد من الجزر في العالم، ومن أبرزها جزر المالديف، ويعود الفضل إلى الاقتصادي البلجيكي غونتر باولي في صياغة هذا المصطلح، وذلك في أعقاب مؤتمر “ريو 20+” عام 2012.
وللمملكة محيط بحري يتجاوز 2600كم، وفي منطقة ذات ثروات سمكية، ونفط وغاز وبتروكيماويات، وشعب مرجانية، وسياحة جميلة، ويمكن توسعة المملكة كموانئ بمواصفات عالمية، ومطار تجاري كبير في الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وشبكة هائلة من الطرق والمواصلات، وخطط لمدن اقتصادية وصناعية نموذجية حدودية، وربط اقتصادي بالدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر، ودول الخليج العربي لتعزيز التكامل الاقتصادي.
ومن الجدير بالذكر أنّ الشركة السعودية للثروة السمكية من الشركات الرائدة في تحقيق الأمن الغذائي، ولا بد من صناعات سمكية تصديرية، فإمكانات المملكة كبيرة وفرص النجاح مؤكدة، كما أن الاقتصاد الأزرق يساهم في الكثير من الأنشطة الاقتصادية، ويمثل أكثر من 90% من حجم التجارة العالمية وخاصة في النقل والشحن، ويعتمد 15% من سكان العالم على صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية، فالبحار والمحيطات تقوم بدور أساسي في حل مشكلة الأمن الغذائي، وهناك أنشطة في التعدين البحري في قاع المحيطات، والبحار تستخدم في صناعة تكنولوجيا النفط، والغاز والطاقة، وأكثر من 60 مليون شخص يعملون في صيد الأسماك، بمكاسب اقتصادية تقدر بنحو 100 مليار دولار سنويا، وأيضا هناك أنشطة سياحية ساحلية، ويجري استخراج أكثر من 25% من النفط من البحار والمحيطات، وتوفير الطاقة من خلال الرياح والأمواج بما يساهم في توليد طاقة تقدر بـ 175 جيجاوات.
الاقتصاد الأزرق سيدعم رؤية المملكة 2030 بل وقد يكون أحد أهم مواردها إذا تم التركيز على الأنشطة والمنتجات البحرية في المملكة من محيطات، وبحار وبحيرات، وصيد الأسماك، والنقل البحري والشحن، واستخراج النفط والغاز، وصناعة البتروكيماويات، والطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، واستغلال الثروة البحرية، والتعدين بما يحقق أفضل عائد ممكن للمملكة من هذه الأنشطة الاقتصادية، وكل ذلك يتحقق عبر التحول الاقتصادي السعودي 2020.
نحن نتطلع أن تركز الرؤية السعودية 2030 على الاقتصاد الأزرق الذي يمثل 70% من كوكب الأرض، و 95% من جميع الكائنات الحية التي تعيش في البحار والمحيطات، كما أن 90% من حركة التجارة الدولية تتم عبر البحار والمحيطات، التي لها دور كبير في ربط دول العالم ببعض، وهناك فرصة أخرى متاحة لتحقيق الأمن الغذائي، والتنمية المستدامة، وذلك عن طريق استغلال الموارد الطبيعية من ثروات بحرية، ونفطية وغاز ومعادن في المحيطات، والبحار السعودية.
الاقتصاد الأزرق يعتمد على عدة ركائز من بينها الإبتكار، والإبداع والبحث العلمي، والتطوير ووجود نظام فعال من الروابط التجارية مع المؤسسات الأكاديمية والجامعات، والمراكز العلمية والبحثية التي تستطيع مواكبة ثورة المعرفة العلمية والتقنية، وإستيعابها، وتكييفها مع الاحتياجات المحلية، وكذلك التدريب والتعليم على رأس العمل، وهو من الاحتياجات الأساسية للإنتاجية والتنافسية للتنمية الاقتصادية الوطنية المستدامة، لذا يتعين على المملكة أن ينظر إلى الإستفادة من الاقتصاد الأزرق، ووضعه ضمن الرؤية السعودية 2030 وتكييفه مع الاحتياجات المحلية، والتحول الاقتصادي 2020 وتحقيق الدعم الخاص بالموارد الاقتصادية الأخرى غير النفطية بالاستثمار في المواطن السعودي، والتركيز على الموارد البشرية الوطنية ذات المهارات، والمعارف العالية والفنية والتقنية، ودعم تطوير الصناعات المعرفية في إطار دعم منتجات الاقتصاد الأزرق، والعمل على التوسع في مشروعات الاقتصاد الأزرق في المملكة، خاصة في النفط والغاز والبتروكيماويات والمعادن الثمينة، والسياحة البحرية والساحلية، فالمملكة تمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي عالمي، والذي يقدر بنحو 300 مليار برميل بنسبه 20% من إجمالي الاحتياطي العالمي، وتختزن ما نسبته 20% من احتياطي النفط والغاز.
لذا فنحن بحاجة مُلحّه إلى “إستراتيجية وطنية للاقتصاد الأزرق” بدعم من الرؤية السعودية 2030، والتحول الاقتصادي الوطني 2020، وبدعم من مراكز الأبحاث، والدراسات والجامعات العلمية، ومعاهد وبرامج التقنية المتطورة والمتميزة، وذلك من أجل النهوض بالموارد البشرية الوطنية، وبالقدرات والكفاءات العلمية، والتكنولوجية السعودية المؤهلة التي تعود بالنفع على اقتصاد الوطن والمواطن.
ولقد تجاوز مفهوم الاقتصاد الأزرق النظر إلى اقتصاد المحيطات كآلية للنمو الاقتصادي فقط، ففي نماذج العمل التقليدية سعت الدول الصناعية تاريخياً لتنمية اقتصادات المحيطات من خلال إستغلال الموارد البحرية، عبر الشحن والصيد التجاري والتنقيب عن واستخراج النفط والغاز والمعادن، دون النظر إلى تأثيرات أنشطتها على صحة أو إنتاجية تلك الموارد نفسها في المستقبل.
الدول الجزرية الصغيرة تمتلك نسبة إلى مساحة أراضيها موارد هائلة من المحيطات، ما يتيح فرصة كبيرة لتعزيز نموها الاقتصادي ومعالجة البطالة والأمن الغذائي والفقر الذي تعاني منه. ولذلك تلك الدول هي الخاسر الأكبر من تدهور الموارد البحرية.
إن الاقتصاد الأزرق يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار سنويا، وأن 80% من حجم التجارة العالمية يمر عبر البحار والمحيطات، كما يقدر أن جزءاً واحداً من الإقتصاد الأزرق وهو الخاص بصيد الأسماك يوجد نحو 350 مليون وظيفة عبر العالم. وبحلول عام 2025 يقدر أن 34% من إنتاج النفط الخام سيأتي من الحقول البحرية، كما أن مزارع الأسماك تعد من أسرع القطاعات نموا وباتت توفر قرابة 50% للاستهلاك البشري، ومن الدول التي وضعت استراتيجيات للاقتصاد الأزرق، الصين، والمغرب والصومال.
ولا شك أن مفهوم الاقتصاد الأزرق يرمي إلى تحسين رفاهية الإنسان، وتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية، مع خفض المخاطر البيئية والتغلب على مشكلة الندرة، سيكون من الخطر في المرحلة الراهنة “المرحلة الاستكشافية” في مسار طويل لتطوير الاقتصاد الأزرق، من حصر المفهوم في جانب “الاستغلال السوقي” ولا يجب أن يتعلق الاقتصاد الأزرق بفرص السوق فحسب، وإنما يجب أن يعمل على تطوير موارد غير زرقاء أيضاً، مثل الطرق التقليدية للحياة وعزل الكربون والمرونة الساحلية لمساعدة الدول الضعيفة في التخفيف من الآثار المدمرة لتغيير المناخ، ومن الواجب تطوير نهج متكامل لبناء الاقتصاد الأزرق، حيث يتطلب تغير في المفاهيم بحسبان أن البحار والمحيطات ليست موارد بلا حدود.
وأخيراً: لابد أن تعمل السعودية على تفعيل اقتصادها الأزرق فموقعها جعلها تمتلك واجهات بحريّة ثلاث؛ إحدى هذه الواجهات تقع على البحر الأحمر، وهنالك واجهتان تقعان على الخليج العربيّ، حتى لا نقع في ما يسمى بـ “العمى البحري” وهو ما يعني النظر بمحدودية شديدة إلى أهمية توافر بحار ومحيطات آمنة تساعد في التنمية، ورغم ما يطرحه “الاقتصاد الأزرق” من نهج تنموي جديد، فيجب أن نأخذ في الحسبان أيضا عدداً من الملاحظات، منها الأصول البحرية في العالم التي تقدر بنحو 24 تريليون دولار، وهذا يفتح شهية الاستثمار واسع النطاق. لكنه يوجد مخاطر من إمكانية قيام الشركات الدولية بوضع خطط سريعة لتوسيع نطاق استثمارها في الاقتصاد الأزرق، دون أن تأخذ في الحسبان بشكل واضح المصالح طويلة الأمد للدول الشاطئية أو للجزر الصغيرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال