الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أي صفقة هناك طرف كاسب والآخر خاسر، البائع قد يتنازل ويقبل خسارة مؤقتة لربح آخر خارج حسابات الصفقة، والمشتري قد يفرط في التفاؤل ويدفع سعر غالي للصفقة فيخسر لاحقاً، المهم أن احدهما يربح والآخر حتماً سيخسر. هذه الحقيقة تجعل عملية الطرح الأولي “الاكتتاب” عملية معقدة وصعبة، واليد الطولى في الغالب تكون للبائع!
من هنا كانت عملية طرح أرامكو أكثر تعقيداً، فكيف صمّم البائع “الدولة” إطار الطرح العام؟
قبل الإجابة، يجب أن نفهم موقف الدولة والتحدي المتباين بين التفاوض مع مؤسسات وشركات مالية تطمع في الدخول في جوهرة الأرض بثمنٍ بخس، وبين المواطنين الذين يستحقون خصم يعطيهم تميز دون غيرهم. إضافة الى ما سبق، هناك تحدي يكمن في التذبذب العالي لقطاع السلع، هذا التذبذب سيؤثر على اداء سعر ارامكو، وبالتالي سيتأثر الموقف الاستثماري للدولة، ومعها بقية المستثمرين الذين من الاساس يخشون هذا التذبذب العالي.
من وجهة نظري، كان هناك اربعة محاور شكلت الاطار العام لطرح أرامكو لمواجهة تلك التحديات:
المحور الأول: التفاوض مع المؤسسات المالية والشركاء الاستراتيجين، حيث تم استخدام اسلوب ذكي بترسيخ رقم سعري 2 تريليون دولار في كل تصريح حول الطرح “Anchoring” وفي المقابل كانت الشركات المالية العالمية تلمح ان السعر العادل عند تقييم 1.5 تريليون. ظل التصريح بشكل مستمر ان رقم 2 تريليون غير قابل للتفاوض! وعندما بدأ الحديث مع المستثمرين كان هناك رسائل ان الخصم ممكن، ولكن بشكل معقول، وهو ما أوصل التقييم الى 1.7 تريليون، ومعه شعر مستثمري المؤسسات المالية بانتصار تفاوضي بهذا الخصم وقبلوا به، تزفهم عناوين اخبارية في الصحف العالمية. لكنني اتوقع ان هذا التقييم كان رقم مستهدف من الأساس.
المحور الثاني: تقديم خصم للمواطنين وتحفيز التملك طويل المدى، من خلال برنامج منح أسهم مجانية لمن يحتفظ بأسهمه الى مدة 6 أشهر، يمنحها البائع “الدولة”. هذا الخصم أوصل قيمة ارامكو الى 1.5 تريليون دولار للمواطنين، وبهذا يكون المواطن شريك له امتياز خاص وعائد مجدي.
المحور الثالث: برنامج توزيع نقدي يشبه الى حد كبير اسهم الامتياز، ولمدة خمس سنوات يتم توزيعها بشكل ربع سنوي. هذا البرنامج سيحد من النزول في حال انتكاس اسواق النفط، بحيث تبقى مغرية للمستثمر بعائدها المتزايد مع كل هبوط سعري. هذا البرنامج سيطمئن المستثمرين من جهة، ومن جهة أخرى، فهو يعطي قدرة تمويلية أكبر للدولة من خلال موقفها الاستثماري المستقر.
المحور الرابع: خطر التذبذب ليس في حالة الهبوط فقط، بل مع القفزات السعرية الكبيرة لاسعار النفط، التي سترفع من توقعات المستثمرين بتوزيعات أكبر، وتجذب المضاربين لرفع سعر السهم. ولكن في حال انتهاء الدورة الصاعدة، سيكون التصحيح مؤذي للمستثمرين وللمالك الرئيسي “الدولة”. لذلك تم هيكلة رسوم متزايدة مع أسعار البترول، بحيث تحد من أي مضاربات مستقبلية على سهم أرامكو في حال صعود اسعار البترول بشكل كبير، فلا تؤثر على أرباح أرامكو، بحيث يكون المستفيد الأكبر “الدولة”.
كان هناك تفاصيل فنية لكل محور، من ناحية رقم مبلغ التوزيعات، رسوم الامتياز على أرامكو، نسبة الطرح، وغيرها، تمت جميعها بمنهجية جاذبة أدت الى نجاح الطرح وتغطيته بأكثر من مرة، وبقي الجزء الأصعب وهو نجاح الطرح بعد التداول، وهنا تقل أدوات البائع ويبقى مفعول تلك المحاور التي صممت الطرح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال