الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يمثل إقرار الموازنة العامة أهمية بالغة في أي دولة، يترقبه الكثيرون، حيث أنها تعتبر الخطة المالية الأهم من حيث عكسها للفلسفة الاقتصادية للدولة وجزءاً مهماً من الرؤية التي تتبناها. فمن خلالها يتم تحديد مسار السياسة المالية للدولة خصوصاً والسياسة الاقتصادية خلال عام قادم.
بعد صدور قرار الموازنة العامة للمملكة للعام 2020 وتجلية أهم جوانب الموازنة فيما يتعلق بحجم الإيرادات والنفقات والعجز المتوقع، فإن القيام بتحليل عناصر الموازنة وأثرها الاقتصادي قد نال حيزاً مهماً في وسائل الإعلام العالمية والمحلية نظراً لأهمية دور المملكة الاقتصادي العالمي، خاصة مع تزامن إعلان الموازنة مع نجاح طرح جزء من أسهم شركة أرامكو وتسلّم المملكة دفة قيادة مجموعة الدول العشرين الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي.
يمكن القيام بتحليل الموازنة وعناصرها وتأثيرها من خلال التعمق بالنظر في مكوناتها ومقارنتها أفقياً مع السنوات الماضية أو رأسياً بتحليل العلاقة بين بنودها. وعلى الرغم من أهمية هذا التحليل وجدواه إلا أنني سأقوم بالابتعاد أكثر عن “الصورة” والتعليق على الموازنة من خلال الصورة الكلية لها ضمن إطار أوسع من خلال ربط الموازنة برؤية 2030 وإبداء بعض الملاحظات لتطوير أداء المالية العامة للدولة من خلال تطوير أدوات الموازنة للأعوام القادمة.
تبنت المملكة العربية السعودية رؤية تنموية شاملة محورها الاقتصاد سميت برؤية 2030، وكان جزءاً مهماً من هذه الرؤية برنامج التحول الوطني 2020 الذي أقرّه مجلس الوزراء السعودي في جلسته 7-6-2016، باسم “برنامج التحول الوطني 2020″، الذي ينبثق عن “رؤية السعودية 2030”.
تكتسب موازنة 2020 أهمية خاصة من حيث أنها ستكون الخطة المالية لعام 2020 وهو العام الخامس الذي ينتظر فيه أن يؤتي برنامج التحول الوطني أكله، وهذا ما أشار إليه معالي وزير المالية في المؤتمر الصحفي بربط الموازنة مع خطة التحول الوطني، حيث ذكر بأن العديد من المستهدفات تم تحقيقها بحلول عام 2020كما تم التخطيط لها. وهذا يجعلنا ننظر إلى الموازنة كجزء من خطة مدروسة تعمل باتجاه تحقيق الأهداف العامة لرؤية 2030.
يلاحظ على التعليقات الأولية والتحليلات المتعلقة بالموازنة التركيز على أهم الإيرادات وأوجه الإنفاق، وهذا شيء جيد لا بأس به. إلا أنني أرى بأن لا تكون مبالغ الإنفاق وأوجهها والتغير فيها محوراً وحيداً للتحليل، بل إن تطوير مؤشرات كميّة بمقارنات مع ممارسات عالمية لتقدير الكفاءة في الإنفاق وفاعليته، بحيث يتم تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المالية ضمن ضوابط دقيقة بدل التركيز فقط على حجمه. وقد يكون تبنّي الموازنة الصفرية أو نموذج قريب منها سبيلاً مناسباً حتى تقوم كل مصلحة حكومية بتبرير أوجه الإنفاق التي تحتاجها ومن ثم تقييم أداءها لاحقاً بناءاً على ذلك وفقاً لمعايير كميّة كما أسلفت.
إن الاهتمام بتنويع مصادر الدخل والإيرادات من الأمور المهمة التي تم مراعاتها في هذه الموازنة وأخذت جانباً مهما في النقاش والتحليل. إنني أرى بضرورة التركيز على تنويع مصادر التمويل كما تنويع مصادر الإيرادات، ويتم ذلك من خلال ابتكار أساليب وأدوات التخفيف من الضغط على الموازنة العامة. فهناك أساليب وأدوات تمويلية يمكن اللجوء إليها لمساعدة الوحدات الحكومية (من هيئات مستقلة وبلديات وأمانات وغيرها) على تدبير وإدارة مواردها المالية بحيث تخفف من الضغط على الموازنة العامة للدولة، وهناك تجارب دولية ناجحة في هذا الصدد، ويمكن تطوير هذه الأدوات المالية بما يتناسب مع طبيعة وأهداف المؤسسات المعنية. ومن أمثلة الأدوات المقترحة “الصكوك البلدية” القريبة من مفهوم السندات البلدية Municipality Bonds غير أنها مصممة كأداة مالية إسلامية تتجاوز الفائدة الربوية.
كما يمكن تنويع مصادر تدبير الأموال من خلال تطوير مؤسسات مالية ادخارية ذات طبيعة خاصة، تعود على البلد بفوائض مالية كبيرة وتحل مشاكل كثيرة للاقتصاد و للمجتمع. علماً بأن المقترحين الأخيرين متاحين لدى كاتب هذه السطور ولم يقدّر لهما لغاية الآن أن يخرجا تحت الشمس.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال