الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
توطين القوة العاملة هو سياسة موارد بشرية بالمقام الأول. وللمنظمات التجارية خيار اعتماد أو رفض السياسات والممارسات التي تقوم عليها أي استراتيجية توظيف. وهنالك العديد من المقاربات النظرية التي تساعد على تفسير سلوك المنظمات عند تصميم سياسات التوظيف، ولعلّ المنظورين النظريين الرئيسيين اللذين يفسران سياسات الشركات في هذا السياق هما نظريات الاختيار المنطقي والنظريات المؤسساتية.
الشركات ككيانات رشيدة
إن منطق العواقب المحتملة لقرارات التوظيف يقف وراء النموذج العقلاني فهو ينظر للشركات باعتبارها جهات فاعلة عقلانية تعمل على تعظيم مصلحتها الاقتصادية. ووفقا لمناصري منطق الاختيار العقلاني، فإن مخاوف “الكفاءة التقنية” تحدد إلى حد كبير اختيار الشركة لأسلوب إدارة الموارد البشرية. ومن الأمثلة على الكفاءة التقنية الفوائد الاقتصادية وفائدة الممارسات ومواءمتها مع أهداف الشركة واستراتيجياتها. وبالنسبة للعقلانيين، فإن الكفاءة هي العامل الرئيسي الذي يؤثر على اختيار الشركة لممارسات إدارة الموارد البشرية. بيد أنه لا يوجد تعريف متفق عليه لما يشكل خيارًا فعالا.
وهنالك نوعان من مدارس الفكر المتنافسة ضمن إطار الاختيار العقلاني: النظرية الاقتصادية ونظريات المواءمة. ويحدد النهج الاقتصادي (الذي يطلق عليه أيضا “أفضل الممارسات”) الخيار الرشيد وفقًا للأثر الاقتصادي الذي يمكن أن ينتج عن ذلك الاختيار على الأداء المالي العام للشركة.
وفقا لنظرية الاختيار العقلاني، يحدث عدم الامتثال للسياسات الحكومية التنظيمية نتيجة لقرار عقلاني من الإدارة المعنية بالشركات. حيث يوازن صانعو القرار بالشركات التكاليف والفوائد المترتبة على عدم الامتثال مع تلك المرتبطة بالامتثال. وبهذه الطريقة قد يعتبر المديرون أن الامتثال مكلف جدا بالنسبة للشركة إذا كانت تكاليف الامتثال تفوق الفوائد. ويشير باترنوستر و سيمبسون إلى عدد من دوافع عدم الامتثال حيث يقدمان قائمةً تشمل: مدى اليقين من تطبيق العقوبات في حالة عدم الامتثال. ومدى شدة تلك العقوبات، والعقوبات غير الرسمية، وفقدان احترام الذات في حال الانكشاف، وكذلك التكلفة المتصورة للامتثال والفوائد المتصورة من عدم الامتثال.
ويضيف المؤلفان مجموعة أخرى من المؤثرات كالقناعة والاعتقاد بشرعية وعدالة القرارات المنظمة، والمؤثرات الأخلاقية وسجل متخذ القرار بالمنظمة السابق تجاه القانون، والسياق الظرفي للمخالفات. وجميع ما ورد من دوافع يؤثر في تحديد اتخاذ المدراء القرار لصالح الامتثال أو ضده.
ورغم الإجماع الكبير حول نجاعة بعض الممارسات إلا أنه يجب الإشارة أن بعض ممارسات الاختيار العقلاني، التي تعتبر عمومًا قابلة للتطبيق عالميًا ومفيدة من الناحية المالية، لا تسفر دائمًا عن نتائج إيجابية متوقعة. وهذا يستدعي انتقادًا كبيرًا للنظرية العقلانية لتجاهل دور العوامل التنظيمية، فضلًا عن عوامل الطوارئ الأخرى التي يمكن أن تؤثر على تطبيق ونتائج ممارسات إدارة الموارد البشرية.
ومن القيود الرئيسية الأخرى لهذا المنهج افتراضها الضمني بأن المنظمة تعتمد ممارسات وسياسات إدارة الموارد البشرية بناءً على خيارات منطقية واستراتيجية فقط يتخذها المديرون التنفيذيون للشركات. وهذا الافتراض يقوض الدور المؤثر الذي تؤديه الجهات الفاعلة الاجتماعية والسياسية، مثل الموظفين أنفسهم، ونقابات العمال، والهيئات التنظيمية الحكومية المسؤولة عن رصد الامتثال في حال وجود قوانين تستدعيه.
وهناك نهج آخر مؤثر في نظرية الاختيار العقلاني هو نهج المواءمة، الذي يدعو لضرورة مواءمة ممارسات إدارة الموارد البشرية مع الاستراتيجية العامة للشركة. هذا الرأي، الذي يطلق عليه أيضًا “طوارئ” أو نهج “أفضل ملاءمة”، يعترف بأهمية الحقائق السياقية والخصائص المحددة للشركة في تشكيل ممارسات إدارة الموارد البشرية في المنظمة. ويشير مؤيدو هذا النهج إلى أن إحدى الشركات تختار خيارات ممارسات إدارة الموارد البشرية التي تتماشى بشكل أفضل مع الآثار السلوكية للاستراتيجيات التنافسية للشركات لتدعيم الابتكار، وتعزيز الجودة، وخفض التكاليف.
وعلى غرار النهج الاقتصادي، انتقد نهج المواءمة بسبب المبالغة في التأكيد على سبب محدد للامتثال لسياسات الموارد البشرية، حيث يعظم هذا المنهج دور الاختيار الإداري الاستراتيجي، بينما يقلل من تأثير الإملاءات الخارجية بعيداً عن سلطة المنظمات.
المنظور المؤسسي
وتؤكد النظريات المؤسساتية في معظمها على الدور الحاسم الذي تلعبه القواعد والمعايير المجتمعية في تشكيل ممارسات وسياسات الموارد البشرية في المنظمة. وهنالك نوعان من المقاربات الرئيسية في النظريات المؤسساتية: المؤسساتية المقارنة والمؤسساتية الجديدة. وعلى الرغم من أن النهجين يتقاسمان العقيدة المشتركة التي تؤثر بها المؤسسات الحكومية والمجتمعية على المنظمات في اختيارها لممارسات إدارة الموارد البشرية، فإنها تختلف في تعريفها للمؤسسات، ووحدات التحليل، وفي تفسيرها لآليات التكيف مع القرارات المنظمة.
ومن منظور مؤسسي مقارن، تؤثر المعايير الهيكلية والتنظيمية على المستوى الوطني تأثيرًا كبيرًا على اختيار إدارة المنظمة لممارسات محددة لإدارة الموارد البشرية. وعندما يتعلق الأمر بوضع تصور للمؤسسات، فإننا نجد المفهوم المقارن أكثر اهتمامًا بالمؤسسات التنظيمية والهيكلية، مع النظم المالية والتعليمية والقضائية. وكوحدة للتحليل، يتم التركيز على التأثير الاجتماعي الذي تشكله المؤسسات على المستوى الوطني. وأخيرًا، فإن آلية التكيف هنا تعني ضمنا أن الشركات غالبًا ما تعمل أو لا تعمل وفقًا لترتيبات مؤسسية وطنية ضمن النظام السائد في الدولة. كما أن العوامل الاقتصادية، التي تتكامل مع الأنظمة المحلية والترتيبات المؤسسية، تؤثر أيضًا في مدى تكيف الشركات مع البيئة الحاضنة لها.
وتتمثل الأطروحة الرئيسية للنظريات المؤسساتية الجديدة في أن الضغوط القسرية والمعيارية والمعرفية التي يؤثر بها المنافسون وغيرهم من الفاعلين الاجتماعيين على الشركات تؤثر في الغالب على اختيار المنظمات لممارسات إدارة الموارد البشرية.
فالمؤسساتيون الجدد يضعون مفهومًا للمؤسسات لا يراعي فقط التنظيم والهيكلية بل يمتد ليشمل نوع ودرجة المفاهيم المعيارية والمعرفية السائدة في محيط الشركات. وكوحدة للتحليل، يعطي المؤسسون الجدد وزنًا أكبر للمجالات التنظيمية. وهم يرون أن المنظمات غالبًا ما تتعامل بطرقٍ متشابهة ضمن سياق ما وذلك لأنها غالبًا ما تتعرض لضغوط قسرية معيارية متشابهة. ولذلك، فإن التكيف ضروري أساسًا لأغراض الشرعية وليس لأسباب اقتصادية.
وفي النظريات المؤسساتية، تستخدم نقابات العمال أيضًا على نطاق واسع لشرح كيفية اعتماد الشركات لسياسات وممارسات التوظيف الجديدة ونشرها. إلا أنّ انحسار دور النقابات العمالية مؤخرًا في جميع أنحاء العالم يعكس تغيرًا عالميًا على نطاق سياسات التوظيف. غير أنه في البلدان التي لا تزال فيها نقابات العمال ذات تأثير قوي، مثل الهند، كثيرًا ما لا تمتثل الشركات لبعض الممارسات والسياسات المبتكرة لإدارة الموارد البشرية. وللحصول على موافقة النقابات العمالية اللازمة للامتثال للسياسات الجديدة لإدارة الموارد البشرية، يتعين على المديرين أن يمروا بمفاوضات مطولة وعمليات تشاور. وفي كثير من الأحيان، لا يحاول المديرون حتى اعتماد سياسات جديدة لهذه الأسباب.
المنهج المتوازن
ولتحدي الخلافات والاستفادة من مزايا الخيار العقلاني والمنهج المؤسساتي، دعا بعض الباحثين إلى وضع إطار مفاهيمي متكامل. ومن الواضح أن برامج توطين القوى العاملة يمكن أن تستفيد من منهج متوازن لتدعيم تبنيها من قبل الكيانات المستهدفة. وينبغي احترام مصالح الشركات الخاصة (النهج العقلاني)، في حين ينبغي للمؤسسات الحكومية أن تعزز الأنظمة اللازمة (النهج المؤسسي) لضمان الامتثال. وتثبت استراتيجية الامتثال المتوازنة أن نظريات الامتثال المختلفة لا تستبعد بعضها بعضًا. بل إن بعض المهتمين يؤيدون “نظام إنفاذ الامتثال الذي يشجع أيضًا المعايير والحوافز التي تؤدي إلى الامتثال الطوعي، مع الحفاظ على الأساس السليم للإنفاذ والردع لتغيير حسابات أولئك الأقل ميلًا للامتثال الطوعي” (غروسمان & زايلك).
وتماشيًا مع النهج المتوازن، من الأهمية بمكان تحديد وتحليل الحواجز التنظيمية التي تعيق الشركات عن إدارة التوطين. ويليه معالجة هذه الحواجز بحلول فعالة من أجل الوصول إلى حالة تجد فيها الشركات متطلبات التوطين ممكنة ومجدية بذات الوقت. وكخلاصة نظرية لما سبق يرى كثيرمن المعنيين بالتوطين سواءً من رجال الأعمال أو الأكاديميين أن توطين العمالة كسياسة موارد بشرية وطنية ينبغي أن يكون ناجمًا عن الاختيارات الرشيدة للشركات وأن يكون مصحوبًا بنظام رصد فعال لتنفيذ السياسات وبذلك يكون التوطين مستداماً.
إن منهج وزارة العمل كان إلزامياً متشدداً في بدايات فرض التوطين ثم تحول مع ظهور برنامج “نطاقات” ليوفر بعض المزايا للشركات الممتثلة, ومع تعاقب الوزراء على وزارة العمل تظهر مبادرات متجددة لخدكة التوطين تتفاوت في درجة تركيزها بين المنهج العقلاني الذي يعتمد على تحفيز الامتثال, وبين المنهج المؤسسي الذي يستند للقوانين والأنظمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال