3666 144 055
[email protected]
لطالما كانت المصالح المشتركة محركا للعلاقات الدبلوماسية بين الدول. وبحكم عملي في الجانب الاقتصادي مر علي الكثير من الفترات التي شهدت قربا أو فتورا في تلك العلاقات. وبين هذا وذاك مواقف وأشخاص احدثوا فارقا في الاتجاهين. منهم من شاهد بعين الحق محبة السعوديين لبلدهم وما أنجزوه ورغبتهم في استكمال عملية النهضة والتطوير التي بدأت منذ عقود. وصراحة من رآها بأفق ضيق لا يتعدى صورتهم النمطية ورغبتهم في استنساخ تجاربهم التي لا تناسب هذا المجتمع المختلف عنهم وتخطتها بما عد تدخلًا في الشأن المحلي وخروجًا عن قاعدتي التعاون الثنائي والمصالح المشتركة بين الدول.
ممن شدني حضور دبلوماسي ثنائي استطاع وبشكل لافت أن يترك بصمة وأثرا جميلا لدى كل من عمل معه. سعادة سفير المملكة المتحدة السيد سايمون كوليس وحرمه السيده هدى مجركش شكلا سويا ثنائيا مميزا سعى بكل الوسائل لتعزيز العلاقات الثنائية بين المملكتين في شتى المجالات.
كان اللقاء الأول مع السيدة هدى في “قسم السيدات” حينها بغرفة الرياض إبان رئاستي للجنة سيدات الأعمال. كنا بانتظار وفد رسمي يمثل الجانب الاقتصادي بالسفارة البريطانية، وتقدمت هذا الوفد هذه السيدة الراقية بكل تصرفاتها، محدثة فارقًا إيجابيًا في ذلك اللقاء. اكتفت يومها بالإنصات للحديث المتبادل بين الطرفين وقدمت نفسها كزوجة سفير وناشطة سابقة في مجال الاعمال.
رسم هذا اللقاء بداية لتعاون ناجح بكل المقاييس في الجانب الاقتصادي، وما بين استضافة الوفود التجارية البريطانية وبرامج التعاون والتدريب، صادفتنا إحدى الأزمات التي شنت فيها الصحافة البريطانية هجومًا على المملكة، ليس بجديد وقد تعودنا على الاستنقاص والتشكيك بل والهجوم على بلادنا وتضخيم الأحداث، لكن ما لم يكن يطاق حينها هو ذاك الهجوم المجحف تجاه خطوات تمكين المرأة السعودية وعدم النظر بواقعيه لكل ما يحدث.
ولأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، كان لزاما أن يدشن حوار فكري عن المرأة وتمكينها اقتصاديا؛ وهو بنظري مفتاح التمكين الرئيس لكل أنواع التمكين، أردت أن يكون النقاش مع نخبة من ذلك المجتمع الذي لا يرانا كما نحن حقيقة وبعد ان استشرت وتوكلت، كان التعاون مع الممثلية التجارية والثقافية في السفارة البريطانية وكان لسعادة السفير وطاقمه دورا استثنائيا بكل المقاييس في إنجاح هذا المسعى باستضافة قيادات نسائية بريطانية مرموقة.
لعاصمة الضباب توجهت، للطرف الآخر، متسلحة بإيماني وبأن وطني يستحق أن يرى بكل مافيه، إيجابا وسلبا. وفي مجلس اللوردات كان اللقاء مع البارونة نيڤيل جونز التي تعد من أهم القياديات البريطانيات بخبرة ثرية وسيرة ذاتية غنية. اللقاء الذي كان معدًا لربع ساعة امتد لأكثر من ساعة تحدثت فيه عن ذلك الوطن الذي أعرف بكل مافيه. وفي نهاية اللقاء صافحت مضيفتي وقلت لها : “اسمحي لي أن أدعوك لزيارة وطني والتعرف عليه عن قرب، ولك حينها حرية رسم أي صورة تريدين عنه”.
كان حفل “المرأة في المناصب القيادية” في غرفة الرياض بالشراكة مع السفارة البريطانية والمجلس الثقافي البريطاني أول حوار مفتوح وبدعوة عامه عن المرأة والقيادة، وكان فرصة حقيقية لتعرية هذا الفكر النمطي السائد عنا، بصيغة ها نحن وهذه عينة من قيادتنا، وهذه مكتسباتنا وتلك طموحاتنا . استضفنا فيه عضوتان في مجلس اللوردات البريطاني البارونة سايمونز رئيسة غرفة التجارة البريطانية العربيةكمتحدثة والبارونة نيڤيل جونز كضيفة شرف وقيادات سعودية نفخر بها.
لم يكن ليحدث هذا لولا دور هذا السفير الاستثنائي الذي آمن ان بناء الجسور والتفاهم والعلاقات تكون بالانسجام والتناغم واحترام الآخر. وحينما كانت نصفه الثاني تكتشف وترى بعين الحقيقة من هي المرأة السعودية، عزمها وإنجازاتها ورموزها وشاباتها الطموحات، خطت أناملها مقالة أجزلت في وصفها للمرأة السعودية وأعطتها ما تستحق من احترام وتقدير. مقال عبرت فيه عن رأيها وأعلم يقينًا أنه لم يرق للكثيرين، بل امتعض منه أصحاب الصور النمطية عن المملكة. مقال السيدة هدى كان جسرًا عبر لقلوبنا نحن النساء، ليس لجمال صياغته فحسب، بل لأنه أنصفنا ممن لم ننتظر أن يتحدث عنا ممن أتى مثقلًا بصور غاية في السلبية والنمطية.
لم يقف دور هذا الثنائي عند هذا الحد، بل حرصا على مد جسور التواصل، الاهتمام والاحتفاء بخريجي المملكة الدارسين في بريطانيا. رسالة مفادها أن المملكة المتحدة تفتخر بكم كفخر وطنكم بكم، رسالة تقدير ومحبة وسلام. وامتد هذا التعاون لمجالات وبرامج لا يكفي هذا المقال لحصرها، لكنها بلا شك عمقت العلاقة بين البلدين ضمن إطار التعاون الثنائي والمصالح المشتركة. وقد يجادل البعض أن ذلك كونهما مسلمين وبوصف سعادة السفير أول سفير مسلم يمثل بريطانيا بالمملكة، وأقول لهم لا.. فليس للدين علاقة بذلك أبدا، فكم من مسلم وعربي ناكف و أساء لهذا البلد الطيب. إنها الشخصية يا سادة والتمرس والخبرة والاحترام والالتزام بجوهر المهنة الرفيع.
أكتب مقالي هذا اليوم بعد أن حضرت حفل وداع مختصر لهذا الثنائي أقامه أحد السفراء القديرين في المملكة، وأكرمني سعادة السفير البريطاني وحرمه بدعوتي كضيفة خاصة عليهما في هذا الجمع المختصر. دعوة لها بالغ الأثر في نفسي ورأيت أنه من التقدير والاحترام والعرفان أن يُعرف جزء مما قاما به ضمن عملهما الدبلوماسي، عن شخصيتين لامست أفعالهما لخمس سنوات قلوب كل من عمل معهما.
سعادة السفير سايمون كوليس والسيدة هدى مجركش، تغادران هذا البلد الذي احتضنكما بالود وقابلتماه بمثل ذلك، لكن ستبقى بيوت السعوديين كقلوبهم الكبيرة مفتوحة لكما ودا وتقديرا واحتراما..
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734