الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
وماذا سأفعل بالمال الزائد؟، كان هذا رد تكرر كثيراً من شباب وشابات في مقتل العمر، عندما تبادرهم بالنصح عن الإنضباط في الدوام وزيادة المهارات بالتدريب والتطوير المستمر للحصول على ترقيات وبالتالي مكاسب مادية، قلت ذلك لهم معتقداً وجازماً بأن المال مازال يعني الكثير لبني البشر. تفاجئت بأن الأمر اختلف كلياً، وإن لم نستوعب ذلك ستستمر وتعود لنا مجدداً ظواهر البطالة المقنعة والسعودة الوهمية، رغم الحوافز والترقيات التي تقوم بها إدارات الموارد البشرية بالشركات والقطاع العام.
مازالت الحالة المادية لأغلب الأسر السعودية -جيدة- إلى حد كبير من ناحية توفر المدخرات والعقارات لإيواء وإعاشة أبنائهم العشرينيين والثلاثينيين وربما الأربعينيين في بعض الحالات، وهذا نابع من التلاحم الأسري المفرط بين أفراد المجتمع السعودي، ولكن السؤال: هل يعتبر ذلك مفيداً لهم؟، أجزم بأن كل استمرار رعاية مفرطة لشاب أو شابة فوق سن العشرين، هي تدمير لمستقبل هذا الشاب والشابة من ناحية تعويدهم على الكسل والإتكالية والظن بإستدامة المنطقة الأمنة.
حرفياً، لا وجود للمنطقة الأمنة، وقد حدثت الكثير من الحالات لعوائل كبيرة كانت لها منازل وسيارات وسفر كل عام، وبوفاة الأب المفاجئة انتهى كل شيء فذهب المنزل وتوزع بين الورثة وذهبت السيارات التي لم تنتهي أقساطها وأصبح راتب التقاعد -إن وجد- بالكاد يكفي لسد رمق الأفواه الجائعة والتي كان منها أفواه عشرينية وثلاثينية مدللة!. كانت معتمدة على وجود الوالد الكبير، الذي انتهى وترك ورائه شباب وشابات كسالى قد يعيشون في النهاية على مخصصات الضمان الإجتماعي.
عدم رغبة الشباب والشابات في تنمية قدراتهم والحصول على مال أكثر، ناتجة عن عدم اهتمامهم الكبير بإمتلاك الماديات الكبيرة كالسيارات والمنازل والملابس الفاخرة، فكل ما يهمهم في هذه المرحلة من حياتهم هو سداد فاتورة الإنترنت وتوفر الجوال، وهذه بطبيعة الحال أصبحت من الإمكانيات المتوفرة بسهولة ولأقل مستويات الدخل. حيث أن حياتهم وإهتمامهم وحتى علاقاتهم وسلوكهم ومعارفهم تختزل بين حواف شاشة الجوال ذو الستة بوصات!.
وبالتالي نستنتج من ذلك أن فئة كبيرة من الشباب الذي يتهاون وقد يفرط بالوظائف والفرص هو متخاذل لعدم وجود الدافع الحقيقي الملائم له، حيث أن وظيفته بهذا المستوى المتدني تؤمن له اليوم أهم متطلباته، وهو قوت يومه + الإنترنت عالي السرعة، بينما تعمل الشركة بعقلية جيل الثمانينات من ناحية التحفيز المبني على الجانب المادي بشكل أساسي. وهذا لن يؤتي ثماره مع هذا الجيل نهائياً، فبعد كل المحفزات المادية التي ستقدمها لهذا الموظف، ستجد منه -غالباً- الجحود والنكران والعودة للتهاون والتفريط.
المحفز الرئيسي لشباب وشابات هذا الجيل -من وجهة نظري- هو التحفيز المعنوي وخصوصاً التقدير العالي لجهوده، ومنحه مكافآت معنوية أو مادية بشكل غير مباشر عن إنجازه أو عندما تقرر ترقيته فتمنحه أمراً يعادل مالياً المبلغ الذي كان مخططاً لمنحه اياه نقداً، ومثال ذلك، دفع جميع تكاليف إجازته خارج البلاد في إحدى السنوات كمكافأة، أو توفير سيارة له لتنقلات العمل تعادل قيمتها الزيادة المقررة في راتبه للسنتين القادمتين، أو وجبات غداء يومية من إختياره تعادل قيمتها الإجمالية حوافزاً مقررة له على مدار السنة، أو سداد فاتورة جواله بقدر معين شهرياً، أتوقع النجاح الباهر للسعودة إذا كانت هذه محفزات 2020، وهي توحي لهذا الشاب أو الشابة المدمن للإلكترونيات، بأن هذه الشركة هي بيته، مأوى ومستقر ومتاع. وليست مكاناً يشتريه بالمال فقط. وستجعله هذه المحفزات في أحسن وضع نفسياً لا سيما عندما يذكر لأقرانه: سأسافر وأتصل وأتنقل على حساب شركتي!.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال