الخفجي تعود للواجهة

لو سمعت كلمة “الخفجي” للوهلة الأولى فإن مجموعة من الاحداث المرتبطة بهذا الإسم ستدور في عقلك قبل أن تجيب بأنها أحد المناطق المنتجة للنفط. مدينة الخفجي على صغر حجمها ولكنها ارتبطت باحداث كبيرة في التاريخ منها على سبيل المثال: اكتشاف النفط، حرب الخليج، اتفاقية المنطقة المقسومة.

كانت الخفجي قبل خمسين سنة من أهم المناطق التي تجذب أبناء البادية ممن يبحثون عن الكلأ والماء لرعي الإبل و الأغنام لأنها تميزت باخضرار أرضها وجمال مراعيها ومن هنا جاء اسمها من الخفج وهو نبات ينبت في الربيع لونه أشهب وله ورق عريض. وهي تقع في أقصى الشمال الشرقي للسعودية في المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت التي تم تأسيسها عام 1922 م، حيث كان الغرض من اتفاقية تقسيم المنطقة هو السماح للقبائل البدوية بالترحال بحرية.

هذه المنطقة تحولت لاحقا الى منطقة غنية بالثروات، اذ اكتشفت فيما بعد بأنها ليست اعتيادية فهي تحمل في داخلها ثروة أكثر أهمية من الخضرة و الماء، وهذا ما جعلها يتم التنبه الى أنها قد تكون غنية بـ “النفط” وذلك بعد أن تم اكتشاف النفط في حقل برقان الكويتي. حينها منحت الحكومة السعودية حق الامتياز لشركة البترول التجارية اليابانية المحدودة واُسست شركة الزيت العربية المحدودة في عام 1958 ومنحت الحكومة الشركة رخصة للتنقيب عن البترول واكتشافه لمدة لا تزيد على عامين وامتياز للاستثمار لمدة اربعين عاما اعتبارا من تاريخ انتهاء الرخصة.

ومنحت حكومة دولة الكويت شركة الزيت العربية المحدودة الامتياز في نصفها المشاع من المنطقة المقسومة. و في عام 2000 تولت شركة ارامكو لأعمال الخليج إدارة حصة السعودية في النصف المشاع من المنطقة المقسومة والتي تشمل اربعة حقول هي: (حقل الخفجي ـ حقل الحوت ـ حقل اللؤلؤ ـ حقل الدرة) والتي سعت منذ انطلاقتها إلى تنمية علاقات تعاون بينها وبين شركة الزيت العربية المحدودة والتي كانت تمثل الجانب الكويتي آنذاك.

تم اكتشاف النفط في حقل الخفجي عام 1960 م بكميات تجارية على اللسان المائي الكائن بها لتقام عليها كل المرافق البرية المساعدة في الانتاج والشحن والمكاتب والسكن وغيرها من المنشآت. كان والدي (رحمه الله) أحد اللذين انضموا الى هذه الشركة بعد اكتشاف نفط الخفجي بعامين ومنه استقيت شغفي وإلهامي بهذا العالم النفطي. لم يتوقع سكان الخفجي أن مدينتهم الهادئة ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه وستعاني من ويلات حرب الخليج الأولى حينما نزحت القوات العراقية إلى أراضيها في عام 1991 قبل أن يتم طردهم من قبل القوات السعودية وبمساندة القوات المشتركة.

وقد تسببت القوات العراقية بكارثة بيئية حيث تحولت المدينة إلى ظلام دامس في وسط النهار نتيجة السحب الدخانية التي نتجت من حرق الجيش العراقي لآبار النفط بالاضافة إلى ضخهم للبترول في البحر مما تسبب بكارثة على الحياة الفطرية والبيئية.
تعتبر الخفجي من اغنى المناطق النفطية في الخليج حيث تقدر احتياطيات الخفجي من النفط الخام بـ 60 مليار برميل، كما يوجد في الخفجي احتياطي غير مستغل من الغاز الطبيعي يقدر بـ 25 مليار متر مكعب (السعودية رابع احتياطي غاز في العالم) اغلب حقول الخفجي مغمورة تحت الماء ومنها السفانية أكبر حقل نفطي مغمور في العالم.

إنتاج حقل الخفجي المشترك وصل إلى 300 ألف برميل يوميا أما حقل الوفرة فقد وصل إلى 200 ألف برميل يوميا قبل إيقافه في أكتوبر 2014 لأسباب بيئية وفنية. انتاج المنطقة المقسومة لوحده يعادل سدس انتاج إيران من النفط الخام. امس وبعد أكثر من خمس سنوات، دشن الأمير عبدالعزيز بن سلمان والدكتور خالد الفاضل وزيرا الطاقة السعودي والكويتي عملية إستئناف إنتاج عمليات الخفجي المشتركة وأكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان أن الخفجي ستعود لوضعها الطبيعي من حيث الإنتاج بنهاية العام 2020، وأكثر ما أثلج صدري إشارته إلى حقل غاز الدرة الذي لم يتم الاستفادة منه، وهو “دُرة” كما يسمى، وذكر أنه علينا أن نعجل باستخدامه لكلا البلدين، حيث إن توفير الغاز من الدرة يعزز من اقتصادهما.

والسؤال هو: هل معاودة الانتاج للمنطقة المقسومة سيكون لها أي أثر في اتفاق “أوبك+” الحالي؟ و الاجابة: إن عودة الإنتاج بالطاقة الكاملة إلى المنطقة المقسومة سيستغرق شهوراً عِدة، لهذا لا يُتوقع أن يكون لها أي أثر في اتفاق “أوبك+” الذي سيعاد تقييمه في شهر مارس المقبل، كما أن عودة إنتاج المنطقة لن يضيف إلى الإنتاج الكلي، ولكن سيكون تعويضاً عن إنتاج حقول أخرى.

أعتز كثيرا بأنني نشأت في صغري في هذه المدينة التي لابد وأن تكون مصدر إلهام لأنها ببساطة تحولت من مدينة عادية يغلب عليها حياة البادية إلى مدينة تمتلك أحد مصادر الاقتصاد السعودي بل العالمي.