الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أُعلِن في عام 2005م عن إنشاء مدينة الملك عبد الله الاقتصادية – شمال مدينة جدة على الساحل الغربي للمملكة – ضمن خطة لجذب الاستثمارات عرفت باسم “10X10”. وتعني أن هذه المدينة ستساهم في وضع المملكة ضمن أعلى عشر دول منافسة وجاذبة للاستثمار بحلول عام 2010. لذلك أسست المدينة بفرضية أنها ستكون أول منطقة تجارة حرة سعودية “Free Trade Zone” لجذب المستثمر الأجنبي.
لم يكن معلوماً على وجه الدقة كيف ستعمل هذه المدينة للوصول لتحقيق معادلة “10X10″. وحتى اليوم وبعد مرور تسع سنوات على الهدف المرسوم وقتها وهو عام 2010، مازال السؤال يطرح نفسه. فما هو مذكور على موقع المدينة كرؤية لها في أن تكون ” محفزا كبيرا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية” لا يعدوا عن كونها جملة تفتقد لواقعية الغرض من تأسيسها الأصيل ذو المردود الاقتصادي العالي. كما أن رسالة المدينة التي تقول بأنها ستعمل على “تحقيق قيمة مضافة للمساهمين من خلال التطوير المستدام لمدينة الملك عبد الله الاقتصادية كوجهة استثمارية منافسة عالمياً” غير واضحة الألية ذات المخرجات الملموسة.
من الصعب جداً أن تقبل رؤية المملكة هذه العمومية في اللغة المستخدمة والتي تعني بأن المدينة – ربما – ليس أمامها سوى أن تتحرك بحتمية الظروف وليس استجابة لخطة عمل استراتيجية مسبقة التجهيز وذات أهداف محددة. اعتماداً على اللغة المستخدمة، المدينة تظهر وكأنها مشروع تطوير عقاري أكثر من أي شيء آخر.
لذلك تفعيل دور مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بالشكل الذي يخدم رؤية المملكة 2030 مسألة هامة جداً. على الأقل حتى نستفيد من العائد على ما أستثمر في بنيتها الأساسية. المتجاوزة تكاليفها المتوقعة آنذاك مبلغ 130 مليار ريال سعودي. والتي وضع حجر الأساس لها عام 2008م.
وبالرغم مما سبق ذكره، تظل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية مُؤمَّل فيها الكثير. وبما أن خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله لنا) – أثناء ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في 24 ديسمبر – قد أكد على العزيمة الملكية الحازمة في استمرار الإصلاحات الاقتصادية وذلك لاستكمال تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، فإن هذه المدينة مؤهلة أكثر من غيرها من مشاريع قديمة لنيل نصيب وافر من إصلاحات الرؤية.
والسؤال هنا: كيف نستطيع توظيف المدينة وكما تستحق في خدمة رؤية المملكة ولماذا هذا التوظيف مهم؟
ربما تكون الإجابة الأمثل في أن تتعدل رؤية مدينة الملك عبد الله الاقتصادية لكي تكون منطقة اقتصادية حره – كما كان مخطط لها في الأصل – وقائمة في الأساس على ميناء دولي. هذا يعني أن المدينة بحاجة الى تغيير جذري في أسلوب تشغيلها (قيادياً وإدارياً وفنياً وتسويقياً) لكي تكون أكثر تأهيلاً في دعم الرؤية والقائمة على كون المملكة تمثل العمق العربي والإسلامي وقوة استثمارية رائدة ومحور ربط القارات الثلاث.
فعلى المستوى الدولي، عُرِّفت المملكة – في رؤيتها – على أنها ستعزز مكانتها كمحور لربط القارات الثلاث آسيا وافريقيا وأوروبا. الحل الأمثل لربط القارات الثلاث اقتصادياً يكمن في وجود ميناء عميق دولي ومحاط بمنطقة اقتصادية حرة وجاذبة. وفي موقع جغرافي مفتوح ونافذ على القارات المراد ربطها، تظهر مدينة الملك عبد الله الاقتصادية – على الساحل الغربي للمملكة –الاختيار الأمثل لتبوء هذا الدور. خاصة وأن المملكة اليوم تتطلع اليها كثير من دول المنطقة في تنمية اقتصاداتها.
وجود منطقة سعودية حرة لن يساهم فقط في امداد أسواق عربية مجاورة – ولنا منافذ مباشرة عليها – ولكن أيضاً في إمداد قارة بأكملها (إفريقيا) بما تحتاجه والتي هي بأمس الحاجة لجار كبير، متعاون، ويتحلى بقدرات يمكن الاعتماد عليها كالمملكة. إضافة وبحكم موقع المدينة الجغرافي فهي مؤهلة على أن تخدم أسواق دول حوض البحر الأبيض المتوسط خاصة والتي تحتاج للقدرات السعودية الضخمة سوآءا اللوجستية أو التصديرية كهمزة وصل مع الشرق الأدنى. وهذا ما روعي في رؤية المملكة إذا ما قرء ما جاء بين سطورها جيداً.
أما على المستوى المحلي، السوق السعودي – الذي يعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – يحتاج خدمة بمعايير جمركية دولية. ومعروف أن المملكة صارمة في معاييرها الجمركية وهذه مسألة تحسب لها وتدعم من مصداقيتها. ولا يمكن السماح لموانئ ومناطق حرة غير سعودية أن تقوم بهذه المهمة بحجة أنها أكثر مرونة في معاييرها الجمركية. خاصة أن هناك مشاريع ضخمة تحتاج دعم مراقب بشكل مكثف بغرض تأمين سلامتها وجودة ما يدخل فيها ويخرج منها مثل مواسم الحج والعمرة، ومشروع البحر الأحمر و “نيوم” و”القدية”. هذه المشاريع – وغيرها – تعتبر مفصلية وتحتاج دعم لوجستي ضخم جدا وقريب منها.
وعلى مستوى جذب الاستثمارات، فإن تقديم المدينة نفسها – كمنطقة اقتصادية حرة – على المستثمرين الدوليين لإدارتها وتهيئتها وتشغيلها يعتبر جذاب جدا لهم. وستكون المدينة أرض خصبة لشراكات القطاع الخاص السعودية مع الأجنبية خاصة الكورية الجنوبية – على سبيل المثال – والتي لها اهتمام عالي بالسوق الإفريقي في مجال الصناعة المتقدمة أو العكسية التقليدية. وأيضاً تعتبر مدينة الملك عبد الله أفضل من يخدم طريق الحرير الصيني لدخول إفريقيا – من شمالها وجنوبها – وايضا خدمة الدول المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط. ولا تُنْسَى الملاحة في البحر الأحمر بطوله من خلال استثمارات جاذبة في مجال خدمات الأحواض الجافة والصناعات المرافقة لها.
مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وبميزتها التنافسية التي من الصعب جدا أن ينافسها أحد فيها كوجودها في خدمة السوق السعودي – الأكبر في المنطقة – وقربها من أسواق عربية هامة إضافة للقارة الإفريقية وقدرات المملكة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تستطيع أن تجذب استثمارات نوعية. مما يجعلها تساهم بنسبة عالية جداً في اجمالي الناتج المحلي للمملكة. خاصة أنها ستتكامل الدور مع باقي الموانئ والمدن الاقتصادية بالمملكة بما يخدم الأسواق المحلية والأسواق المجاورة. ومنها ستخلق الاف الوظائف في نطاقاتها وعلى مستوى المملكة.
لا يمكن أن يستهان بدور المدينة في مجمل الناتج المحلي فيما لو تحولت الى منطقة اقتصادية حرة. منطقة جبل علي – بموقعها على الخليج العربي المحدود جغرافيا وعلى مساحة 47 كم² فقط – كمثال، نجد أنها تساهم بما قيمته 11٪ في اجمالي الناتج المحلي لدولة الإمارات. وموفرة لحوالي 40 ألف وظيفة.
مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وبمساحتها التي تغطي 173 كم² مؤهلة أن تكون ميناء أسطوري ومنطقة اقتصادية حرة محورية في خدمة المملكة والعديد من الأسواق الواعدة حولها سواء في النطاق العربي أو الافريقي أو حوض البحر الأبيض المتوسط كنقطة دعم للإمدادات القادمة من الشرق الأدنى التي تحتاجها هذه النطاقات. وهذا يتشابه – في المهمة – مع ما كان العرب يقومون به قديماً من ربط لأسواق الشمال والجنوب خلال رحلتي الشتاء والصيف وتقريباً من نفس الدائرة الجغرافية.
هذا يؤهل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية أن تكون أحد أبواب الانفتاح الاقتصادي الضخم للمملكة. مما سيساهم في تحقيق الكثير من أهداف الرؤية بكفاءة عالية في الانفاق وتمكين أفضل للقطاع الخاص وجذب للاستثمارات الأجنبية وإيجاد الوظائف.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال