الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لاحظتُ مؤخراً اهتمام شبابنا السعودي بالشركات المهنيَّة، ولم يكنْ صدور نظام الشركات المهنيَّة الجديد إلاَّ في إطار وضع هذا الاهتمام موضع التنفيذ المُنضَبِط بما يخدم اقتصاد المملكة.
فعلى الرغم من أنَّ الشركات المهنيَّة هي في حقيقتها رؤوس أموال فكريَّة وخبرات فنيَّة أكثر منها مبالغ ماليَّة، إلاَّ أنَّ مساهمتها في اقتصاد الدولة يبلغُ من الأثر مبلغَ الشركات المساهمة، وقد يزيد إن تمَّ تمكين الاقتصاد المهني.
ففي مجتمعٍ شابٍّ مثل مجتمعنا السعودي، تمتلك الدولة إمكانيَّاتٍ مهنيَّةٍ هائلةٍ في ظلِّ التأهيل العلمي الجامعي لدى معظم فئات الشباب.
وبدلاً من ترك هذه الشريحة الغنيَّة بالأفكار والطموح حتى تضيع بين طلبات التوظيف والعمل الفردي ضعيف الإنتاج، فقد نشأت فكرة الشركة المهنيَّة.
ولكن يجب عدم النظر إلى الشركات المهنيَّة الشابَّة على أنَّها مكانٌ لممارسة المهن غير التجاريَّة مثل المحاماة فقط، بل يجب أن تكون الرؤية أكثر عمقاً وإدراكاً لتأثير رأس المال المهني في الاقتصاد.
بينما في شركة المحاماة، تنقلب هذه المهنة إلى إدارة رؤوس أموال لا يُستهان بها من مجموعة من الشركاء؛ ممَّا يزرع روح التعاون فتنشأ بينهم نيَّة تقاسم ثِمار هذا المشروع من أرباحٍ وخسائرٍ، الأمر الذي سيدفعهم إلى المزيد من بذل الجهد في الوقت الذي يشعرون فيه أنَّ كل واحد منهم يُكمل الآخر، وأنَّ الخبير منهم يسدُّ ثغرة قليل الخبرة، في حين يُقدِّمُ حديث التخرُّج لشريكه الخبير شعلة نشاطه ومعارفه الحديثة.
مثل هذه الروح الجماعيَّة هي التي ترتقي بالمشروع المهني، فتَنتَقِل شركة المحاماة من العمل الفردي محدود الإمكانيَّات، إلى العمل الجماعي المتكامل.
ولكن الدور الأهم لشركات المحاماة يتمثَّل في الخدمات الأكثر رُقيَّاً وتطوُّراً، تلك التي تستطيع هذه الشركات تقديمها لمشاريع الأعمال الضخمة.
فشركة المحاماة التي تَمنَحُ للشركات المساهمة خدمات الاستشارات القانونيَّة المُتخصِّصة في مجال التجارة الدوليَّة مثلاً، تُساهم في رفع مستوى أداء الشركات التجاريَّة بما ينعكس إيجاباً على اقتصاد الدولة من جهة، ويجعلها تتلقَّى أتعاباً أعلى نظراً لقيمة خدماتها من جهة أخرى.
وبالتالي، فإنَّ شركة المحاماة التي تتعامل مع الشركات المساهمة تستطيع خدمة مُختلف قطاعات الاقتصاد؛ الأمر الذي سيؤدِّي مع الوقت إلى المساهمة بتحقيق النمو الاقتصادي الشامل.
فالمساهمة الحقيقيَّة لشركة المحاماة ليست بعمل التقاضي بل بتنظيم عقود التجارة الدوليَّة، ونقل التكنولوجية، وكذلك تحديد الإجراءات المطلوبة للخضوع لمعايير الحوكمة في المملكة.
وهذه الخدمات تتطلَّب الارتقاء بمناهج كليات الأنظمة بشكل عام بما يُضيفُ إليها عناصر تتعلَّق بالبحث العلمي عن أحدث الخدمات القانونيَّة، في حين أنَّ الترخيص لشركات استشاراتٍ وتدريبٍ مهنيٍّ يُمهِّد لإنشاء شركات محاماة على مستوى الخدمات التي تحتاجها زبائنها من الشركات المساهمة في المملكة.
ولكن كل هذه الطروحات بحاجةٍ أولاً إلى البدء بتطوير ثقافة عمل المحامي من الناحية المهنيَّة؛ حيث يجب التركيز على الخدمات غير القضائيَّة، فمن الضروري إدراك النظرة الحديثة لعمل المحامي التي لا تَقتَصر على الترافع أمام المحاكم فقط.
كما أنَّ الترخيص لشركات المحاماة بتقديم خدمات التدريب الاحترافيَّة سيجعل تلك الشركات المهنيَّة تُساهِم بالعمل النظري والعملي لتأهيل القطاع المهني بشكل عام.
ومن جهةٍ أخرى، يجب أن يتمَّ تكريس أخلاقيَّات العمل المهني في شركات المحاماة التي تختلف عن تلك في المكاتب التقليديَّة؛ حيث إنَّ الشركة تحتاج إلى وجود عنصر التعاون والتخصُّص واحترام مصالح مجموع الشركاء، فلا يجوز للمحامي أن يُنشِئَ شبكة عملاء خاصَّة به دون علم شركائه وعلى حساب مصلحة الشركة التي ينتمي إليها، وهذا التعارض قد يحدث يوميَّاً في الوسط القضائي.
إلاَّ أنَّ التحدِّي الأكبر الذي قد تواجِهه شركات المحاماة السعودية يكمن في الحقيقة بالمنافسة الكبيرة التي تواجهها من شركات المحاماة الأجنبيَّة العملاقة التي قد يتمُّ الترخيص لها بممارسة المهنة في المملكة.
فما هو حلُّ إشكاليَّة التعارض بين الرغبة بجذب الاستثمار المهني الأجنبي الذي يحمل معه خدمات المحاماة على أعلى مستوى مهني عالمي، وبين حماية الشركات الوطنيَّة السعوديَّة من المنافسة غير العادلة التي قد يتعرَّض لها المحامون من شباب المملكة؟
فهل يجب الاكتفاء بالكفاءات الوطنيَّة بغرض دعم المشاريع المهنيَّة الشابَّة في مجال التقاضي والاستشارات؟
يبدو لي أنَّ حلَّ هذه الإشكاليَّة الأساسيَّة يكمن في طرح الأولويَّات ثم إيجاد الحلول التي تكفل عدم تغليب أحد العوامل المتعارضة فيما يخصُّ تنظيم عمل شركات المحاماة المهنيَّة الأجنبيَّة.
أي يجب النظر أولاً إلى نسبة البطالة بين المحامين السعوديين الشباب، وطلبات الترخيص منهم لتأسيس شركات المحاماة، ثم ثانياً إلى مستوى الخدمات الوطنيَّة المُقدَّمة في هذا المجال بالمقارنة مع المستوى المطلوب لتحقيق رؤية المملكة 2030.
وبخصوص خدمات التقاضي، فتبدو وجود حاجة لخدمات مهنيَّة أجنبيَّة ملحَّة في خدمات مثل استشارات الأنظمة الداخليَّة لشركات المساهمة، بينما لا تبدو هذه الحاجة ضروريَّة في خدمات التقاضي في المحاكم.
ولذلك، يجب أن يتَّسق أسلوب إدارة الترخيص لشركات المحاماة الوطنيَّة والأجنبيَّة ضمن مفهوم دعم نجاح الاقتصاد المهني في المملكة الذي يتطلَّب تثمير رؤوس الأموال الماليَّة والفكريَّة الوطنيَّة بغرض خفض مستوى البطالة من جهة، ودعم روح التنافس في الاقتصاد المهني عبر الترخيص للخبرات الأجنبيَّة ضمن نطاقٍ مُنضَبطٍ في الحاجة والضرورة من جهةٍ أخرى.
وهذا الأسلوب في الترخيص لشركات المحاماة المهنيَّة يلعب دوراً فائق التأثير بما يتجاوز الشركات المهنيَّة الأخرى، لأنَّ نجاح أو فشل هذا الأسلوب سيؤدِّي بالنتيجة إلى التأثير على تنفيذ الأنظمة في القضاء والأوساط التجاريَّة كافَّة؛ أي أنَّ مستوى عدالة القضاء واستقرار اقتصاد المملكة يعتمد على جودة الاقتصاد المهني وعلى قطاع شركات المحاماة بشكل خاص.
فالحرص الحرص على إدارة مساهمة ومنافسة شركات المحاماة في الاقتصاد المهني.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال