الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تأسست جمعية الاقتصاد السعودي في عام 1987م داخل أروقة جامعة الملك سعود العريقة والمعروفة بمبادراتها السباقة. وكان لهذه الجمعية – في زمن ما قبل الانترنت – دور جيد في عرض ما هو جديد عن الاقتصاد السعودي. واليوم، من المفترض أنها كيان هام في دعم رؤية المملكة 2030. خاصة أن الرؤية تدخل مرحلة جادة بعد أن وضعت أسس المُضي قُدُما نحو عام 2030. وبدأنا نرى مخرجات إنجازاتها الأولية والمنعكسة إيجابا على كثير من مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية كما خطط لهما.
هذا يضع مسئولية كبيرة على عاتق الجمعية لأن دورها ربما يكون أكثر تحدياً من الان فصاعداً. ذلك بسبب دخولنا نطاق النوع في المخرجات بعد أن غطينا مساحة عريضة من نطاق الكم في الإنجازات. وطرح الجمعية التقليدي الذي لم يتغير منذ انشائها من الصعب جداً أن يخدم الرؤية كما ينبغي.
هذه الفرضية يدعمها تطرُق رئيسها الشرفي سمو وزير الطاقة في عام 2005م للحاجة الماسة لتطوير نهج الجمعية آنذاك مما يعني أن القلق قديم حول وضعها وأسلوب عملها. وتوجد كتابات قد تطرقت لهذا الموضوع في الفترة ما بين عامي 2008 و2018. كما أن الفرضية تزداد دعماً بزيارة خاطفة لموقع الجمعية الاليكتروني المتواضع والمفتقر لعرض البحوث والدراسات وتقديم المعلومة الاقتصادية الكمية والنوعية والذي لا يمكن قبوله بأي شكل من الاشكال ليكون موقع لجمعية اقتصادية من المفترض أنها مهنية وعلمية خاصة بعد مضي 32 عام على تأسيسها. بل بوضعها الحالي، ربما نحتاج لإعادة النظر في أن يُسمح للجمعية في أن تكون ضمن واجهة اقتصاد المملكة التي ستحتضن قمة مجموعة العشرين (G20) في نوفمبر 2020.
والسؤال هنا: هل تستطيع جمعية الاقتصاد السعودي – بوضعها الحالي – مواكبة وخدمة الرؤية وعكس إصلاحاتها للمهتم والمراقب والمتابع والباحث المحلي والإقليمي والدولي؟
الإجابة الأقوى هي النفي. وذلك لوضوح خمس اعراض مرضية مقلقة عليها. مما يستدعي التحرك الفوري لإخضاع الجمعية لعملية إعادة تأهيل جذرية لكي تكون جاهزة لخدمة الرؤية.
العَرَض الأول:
هو التصنيف الانتمائي (Affiliation\ Organization’s Population). وضع الجمعية والى أي بيئة تنتمي – مهنيا – غير واضح المعالم. عدم استقلالية الجمعية وضعها في موقف محير. فلا هي منتمية للجامعة ليكون لها حظ في ميزانيتها وخططها التطويرية فتخدم الرؤية كما ينبغي. ولا هي منتمية لبيئة الجمعيات المهنية المستقلة مما حرمها من أن تتطور ذاتياً. وأن تُطعِم مجلس إدارتها بكفاءات من كليات إدارة واقتصاد في جامعات أخرى. ومن القطاعين العام والخاص. ودعم المجلس بوجوه شابة. المرجعية الأكاديمية المتنوعة مهمة لقراءة ودراسة الاقتصاد. ولكن من يصنع هذا الاقتصاد هم المؤسسات الحكومية ورجال الاعمال من تجار وصناعيين. أما المستقبل فيصنعه الشباب.
العَرَض الثاني:
هو – ما نسميه في أدبيات علم تنظيم البيئات – الهمود (Inertia) أو القصور الذاتي نتيجة أسباب عديدة. ولكن أهم هذه الأسباب هو الافتقار للرؤية والهدف من التواجد على الساحة. مما لا يجعل لعملية المراجعة الدورية وتطوير النمذجة التشغيلية مكان للتواجد. وعدم استقلالية الجمعية – كما جاء في العَرَض الأول – ربما له دور في هذا الخصوص.
العَرَض الثالث:
هو افتقار الجمعية للوقف المالي (Endowment) الجاد الذي تحتاجه الجمعية لتكون متهيئة لأداء دورها المفترض. الجمعية كمنظومة غير ربحية لا تستطيع أن تقدم الكثير بسبب أن العاملين فيها في الغالب متطوعون ومن ثمَّ لا يُدفع لهم مقابل خدماتهم. ولا يمكن لمنظومة مثل جمعية الاقتصاد السعودي – من المفترض أنها من الوزن الثقيل لأهمية دورها – أن تعمل بهذا النهج الذي يلغي حقيقة حاجتها لوقف مالي.
العَرَض الرابع:
هو العَجَزْ بحكم الزمن (Oldness). الجمعية مثلها مثل أي منشأة تهرم مع مرور الوقت وهذه ظاهرة طبيعية. لذلك تحتاج الى قيادة محترفة وجريئة لوضع خطط اصلاح دورية وحسب مقتضيات تحديات المراحل العمرية. فلو أخذنا شارة الجمعية كمثال، سنجد انها لم تتماشى مع مراحل تطور الاقتصاد الوطني. وربما لم ينظر فيها أحد منذ انشاء الجمعية. بينما قامت أرامكو السعودية (المقارنة بغرض عرض سلوك المنظومات في مكافحة العَجَزْ) في خلال عمر الجمعية بتطوير شارتها ثلاث مرات كنتاج لتنفيذها ثلاث برامج تطويرية استراتيجية في كيانها لمواجهة خطر آثار هرمها.
العَرَض الخامس:
هو تخصص طرح الجمعية (Niche Width). ما نراه من نشاط للجمعية يكمُن في عقد مؤتمرات سنوية للجمعية. إضافة الى بعض المحاضرات التوعوية في مجالات عامة. أغلب ما تقدمه الجمعية – اليوم – تقوم بها الوزارات حسب تخصصها بل والغرف التجارية نشطة في مواضيع مماثلة. وحتى حاضنات ريادة الأعمال بدأت تقدم مواضيع مشابهة برشاقة وجاذبية أكثر. رؤية المملكة تتطلع لجمعية مهنية قادرة على تنفيذ أمور نوعية. على سبيل المثال، لا الحصر:
1- تقديم برامج معتمدة أكاديمياً في تخصصات التحليل الاقتصادي بغرض معالجة التدني المهني وتأهيل جيل جديد من المحللين الاقتصاديين سوآءا في المؤسسات الحكومية أو الاعلام أو القطاع الخاص.
2- تقديم برامج تطوير مهارات أعضاء الجمعية حتى تكون مشاركاتهم (الفردية أو المؤسساتية) في التنمية الاقتصادية – من خلال تقديم الاستشارات الاقتصادية المحترفة – منافسة. مما يعزز دور الجمعية في المشاركة في تطبيق مبدأ الكفاءة في الانفاق للأجهزة الحكومية وتمكين القطاع الخاص في مجال الاستشارات.
3- تعزيز التواصل والتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية خاصة فيما يتعلق بتبادل البحوث والدراسات العلمية في المجال الاقتصادي. الذي سيساهم في نقل صورة واضحة عن المملكة ويدعم تصحيح رؤية الآخرين ومن ثم تقاريرهم التي في بعض الأحيان تحتوي على معلومات غير دقيقة أو تعاني من شُح في المعلومة الصحيحة.
4- تشجيع ودعم إجراء ونشر الأبحاث العلمية في الحوكمة واصلاحات التنمية والاقتصاد النفطي والغير نفطي. العزوف عن البحث العلمي في الاقتصاد الذي نراه منذ مدة ليست بالقصيرة مسألة لابد من معالجتها. وايضاً لا يمكن ترك مصيرنا في أيدي مكاتب استشارية ومراكز بحث خارجية لا نعرف ماذا تَدُسْ لنا في العسل!
5- تنظيم الندوات بشكل أكثر كفاءة وحداثة وبعيدا عن المظاهر الرسمية العتيقة. ومتناغم مع حقيقة أن 70 %من افراد المجتمع هم من الشباب. وتشجيع التواصل بين أعضاء الجمعية من خلال إقامة ملتقيات حوار (Think Tank) ومناقشات بحثية على مستوى مناطق المملكة (كفروع للجمعية). تركيز نشاط الجمعية في العاصمة يحرمها من مشاركات وابداعات الاقتصاديين الأكاديميين والمهنيين في مناطق المملكة المختلفة بما يدعم اقتصاداتها المحلية.
بعد مرور أكثر من ثلاث عقود على تأسيسها، جمعية الاقتصاد السعودي تحتاج للكثير من العمل لإعادة تأهيلها. وضرورة أن تكون الجمعية كيان مؤسساتي مستقل وبقيادة محترفة أكثر من كونها أكاديمية مسألة لابد من اعتبارها بجدية. وبرعاية من جهة قادرة على إعادة تأهيلها مثل وزارة الاقتصاد والتخطيط، موطن المعلومة الاقتصادية. أو وزارة المالية التي أظهرت جرأة في مواجهة التحديات. أو تحت وزارة الطاقة خاصة ان الجمعية تحتاج للكثير من الدعم المادي لعلاجها ومن ثم انطلاقها بحُله جديدة. ويمكن للوزارة تقديم هذا الدعم من خلال مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية ذات الميزانية التشغيلية الضخمة. أو ربما كيان مستقل مثل أي جمعية مهنية أخرى ومدعومة بسخاء من قبل المصارف السعودية التي تحتاج ان تمارس دور أكبر في خدمة المجتمع الذي تصنع من وراءه كل أرباحها المهولة.
المرحلة القادمة تتطلب جمعية اقتصاد سعودي ذات رؤية تليق بمكانة المملكة ضمن أكبر 20 اقتصاد في العالم. فيُنظر لها من حيث القيمة والتأثير والمعلومة. ورسالة متمثلة في التواجد والتأثير الفاعل أكاديمياً والمحترف مهنياً، وعلى كافة الأصعدة المحلية والاقليمية والدولية. كنظيراتها التي تُعتبر مرجعيات اقتصادية لبلدانها مثل جمعيات الاقتصاد الامريكية والأوروبية والهندية وجمعية الاقتصاديين الصينيين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال