الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عدل الرئيس التنفيذي جلسته وهو ينظر بإبتسامة صفراء لمدير الموارد البشرية في اجتماع مغلق بينهما، وهذا الرئيس الذي يعتبر أحد أهم أفراد العائلة التجارية التي تمتلك هذه الشركة العملاقة الممتدة أعمالها إلى 49 دولة على مستوى العالم، لم يجلس هذه الجلسة في حياته العملية إلا مرات قليلة، ولكنه يجلسها اليوم -مجبر أخاك لا بطل- لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من -أرباح- شركاته التي استمرت في السوق ما يزيد عن 40 عاماً. انها جلسة تهدف لإنهاء خدمات مئات الموظفين من السعوديين والأجانب العاملين بالشركة، وذلك من خلال استراتيجيات إعادة الهيكلة -الصورية-، وإقفال الفروع، وتقليص ودمج الوظائف التنفيذية ذات التكلفة الكبيرة وغير ذلك لتلافي أي مخالفات -الفصل التعسفي- من قبل وزارة العمل.
قال الرئيس بوضوح: أرغب في توفير ثلاثة ملايين ريال شهرياً خلال عام 2020، وهذا كلام نهائي يا عبيد، تلعثم مدير الموارد، وهو ينظر إلى التقارير أمامه قائلاً: هذا المستحيل بعينه يا أستاذ زيد، التقارير التي خلصنا إليها تقول أن أكبر توفير في موازنة الرواتب بما لا يتعارض مع التشغيل هي خمسمائة ألف ريال فقط، وحتى هذه تمت معارضتها من قبل مدير عام التشغيل لأن الانتاجية وبالتالي الإيرادات ستتأثر!. لم تتغير ملامح وجه الرئيس كثيراً، وكأنه لم يسمع شيئاً مما قيل له، وكان الرد بإبتسامة خبيثة: قلت لي يا عبيد عن ابن اختك الذي لديه خبرة في إدارة الأسطول، وهو خريج الولايات المتحدة، أليس كذلك؟. فقال مدير الموارد مرتبكاً: اي نعم طال عمرك، ابن اختى متاح حالياً وليس لديه وظيفة ثابتة. فقال الرئيس مبتسماً: اذاً قدم له عرض وظيفي بربع راتب مدير عام التشغيل الرافض للتغيير، وكلفه بمهمة أولى وهي توفيرالثلاثة ملايين ريال، وهذا تقدير مني لك ولإختيارك له، دعنا ننتقل للمرحلة القادمة ونتقدم قبل أن نتقادم يا عبيد، قال عبيد بطريقة آلية: أبشر طال عمرك. وخرج مطأطئ الرأس و معه رزمة الأوراق التي لم يعد لها أي قيمة.
عاد زيد لمنزله الفخم الذي يقع في أرقى ضاحية في البلاد على الإطلاق، وهو يحمل معه ملفاً أنيقاً ودخل إلى صالة ضخمة فيها ما يربو على الخمسين شخصاً بين رجال ونساء يتبادلون الأحاديث ويبتسمون إبتسامات مجاملة في حفل أسطوري مهيب، والتفتت الأعين إلى زيد عند دخوله بما يوضح نجوميته و مكانته في العائلة كرجل متصدر لكافة مسؤوليات إدارة الأموال والتجارة المورثة لهذه العائلة والتي تقدر بمليارات الدولارات. التفت زيد بنظره إلى أغلب الأعين، ويدور في داخله صراع بين الخير والشر، وكأنه عند نظرته لكل شخص بالقاعة تظهر له بيانات رقمية عن ما يكنه هذا الشخص له من حسد وحقد وكراهية، هذا على الرغم من كل ما يبذله زيد من أجلهم من تسريح وتهرب ضريبي وتلاعب بالأنظمة!.
صعد زيد على المسرح برشاقة رغم أنه يبلغ الخمسين من عمره، وقال ملوحاً بيده: أهلاً وسهلاً بكم أهلي وعزوتي، رغم الرسوم والضرائب والغرامات، شركاتنا مستمرة وأرباحكم ستصلكم كاملة كما جرت العادة، لقد وقعت قبل قليل على قرارات مصيرية سيفصل على اثرها المئات من الموظفين السعوديين، كل هذا لتنعموا أيها -الأقربون- برغد العيش، ولا يحدث لكم أي خدش في مصروفاتكم السنوية الضخمة -ماشاء الله-، أعلم أنني أخطأت بحق نفسي وبحق من فصلتهم، ولذلك أعلن لكم اليوم أنني قررت أن أتنحى عن منصبي وأي منصب مستقبلي في هذه الشركة، وسأخرج منها بلا مستحقات. وحينها تعالت الصيحات من القاعة يطلبون استمراره في رئاسة الشركة، بل وعمد بعضهم الى الصعود للمسرح وحمله على الأعناق وكان يبتسم من قلبه ابتسامة لم يراها أحد.
هذه قصة وهمية لا تمت للواقع بصلة، ولكن تكررت أجزاء محورية من أحداثها كثيراً في شركاتنا مع كل أزمة تتطلب الإنكماش، وتتطلب أيضاً تغيير الدماء بدماء جديدة بعد ترهل وتضخم وظائف القدامى، ووصولهم لمرحلة الثقة الزائدة بمكانتهم بالشركة. وكنت أجد الملاك خصوصاً في الشركات العائلية بين نارين، نار التقليص والإنكماش وبالتالي فصل العديد من الموظفين، أو نار تقليص الأرباح التي يحصل عليها الشركاء أو الملاك من الورثة، وحينها لن يمر الأمر مرور الكرام، حيث أن أغلب الشركات العائلية انتقلت للجيل الثاني أو الثالث وبالتالي تفرعت العائلة إلى فروع بعيدة ولن يقبل أي فرع منهم تبريرات تقليص الحصص الربع سنوية أو السنوية المحولة لحساباتهم الشخصية، بل سيطالبون شخصياً بعد مراجعتهم للقوائم، بفصل العمالة الزائدة عن الحاجة لتغطية مصاريفهم العائلة السنوية الضخمة.
إنها معادلة صعبة لا أجد حلاً لها إلا بإنتقال جميع الشركات العائلية والفردية إلى الـ IPO مساهمة عامة تطرح في سوق الأسهم السعودي، وذلك لمزيد من الشفافية التي توفرها لنا القوائم المنشورة كل ربع سنة، فلا يتم توزيع أرباح غير منطقية وغير مستحقة، ولا يمكن لرئيس الشركة مجاملة الشركاء على حساب الموظفين أو العكس، حيث أن أي تصرف غير قانوني ولو كان بحسن نية سترصده الهيئات المختصة ويرصده الأفراد وينتقل الخبر كالنار في الهشيم لشركة يمتلك الشعب كله والدولة أسهماً فيها.
وإلى ذلك الحين، أقول أن موسم الفصل الجماعي قادم لا محالة وهو أمر طبيعي في أي اقتصاد مفتوح، وهذا يحتاج من الموظف السعودي أن يتعقل في مصروفاته ولا يفرح بالراتب، فيحرص أولاً على عدم وجود أي التزامات شهرية للكماليات، والبدء بالادخار والاستثمار لنسبة معينة من الدخل، إضافة إلى العمل المستمر في برامج العمل الإضافي والتطبيقات لتغطية المصروفات الرئيسية كالكهرباء والماء وإيجار المنزل إن وجد، كل هذا سيكون بمثابة -أسلوب حياة- Lifestyle يقلل من الأثار الكارثية للفصل المفاجئ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال