الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بالرغم من كثافة حضور التعليم والتدريب في ريادة الأعمال لدينا، لا تزال المخاوف قائمة بشأن فعَاليتها وكفاءتها. خاصة وأن تحديات السوق تزداد شراسة في وجه الرواد الغير مُلِمين بما يحصل في هذا العالم من تطور سريع والذي سينعكس على اسواقنا المحلية بحكم أننا جزء من هذا العالم. فعلى سبيل المثال، العالم اليوم يتبنى مبدأ الاقتصاد الحيوي القائم على إحلال المواد المتجددة مكان المواد الأولية التقليدية في التصنيع والانتاج. هذا التوجه سيعيد تشكيل اقتصاد العالم ومجتمعاته قريباً. وهذا إشكال ربما يرجعنا الى نقطة الصفر – بالرغم من كل الجهود المبذولة – إذا لم نتداركه لبناء منظومة ريادة أعمال منافسة. على الأقل محلياً.
فقد كشفت عدة أبحاث عن نتائج تفيد بأن العديد من البلدان تعاني من قصور في التدريب في هذا المجال. بمدعاة أن هذه البرامج لا تستجيب للمتغيرات السريعة في متطلبات السوق مثل طبيعة المنتجات وأحجام المشاريع وادارتها وطبيعة الرواد أنفسهم. لدرجة أن البنك الدولي أبدى قلقه تجاه هذه المسألة وطالب بالاهتمام بها خاصة في الاقتصادات النامية. هذا القلق منبعه تواضع تصاميم المنتجات وبطيء خروجها من القوالب التقليدية. وذلك بسبب هياكل ومكونات المعرفة التي تحتويها برامج تعليم ريادة الأعمال ذات المضامير العلمية والفنية. بينما هي برامج لا تراعي قراءة إشارات التحول المستقبلي في المنتجات والاسواق.
أما على مستوى رواد الأعمال أنفسهم، فالقلق كان دائما متواجد من أن هناك شيئًا ما مفقود أو غير مكتمل في تعليمهم وتدريبهم في قيادة مشاريعهم. وعلى الرغم من أن الغرض من تعليم وتدريب ريادة الأعمال هو تعزيز مهارات واتجاهات رواد الأعمال نحو النجاح في بدء مشاريعهم ومن ثمًّ ادارتها، ما زال كثير من المتدربين يجدون صعوبة في بدء أعمالهم. مما دعم وجهة النظر القائلة بأن وضع تعليم ريادة الأعمال والتدريب الحالي غير مناسب لبناء رواد أعمال حقيقيين.
اليوم، التساؤل يزداد بخصوص عما إذا كان على الجامعات أن تتولى دفة العمل لتأسيس برامج تعليم وتدريب بشكل علمي وجاد لبناء رواد أعمال ومنتجات ومشاريع كما تتطلبها أسواق المستقبل. وبما أن القلق مشترك عالمياً ونحن جزء من هذا العالم، فالسؤال الخاص بنا هو: لماذا يتحتم على جامعاتنا أن تقود عملية تدريب رواد الأعمال لتحضيرهم للمرحلة المقبلة؟
على مستوى المنتج النوعي والمنافس، لا شك في أن ترجمة الأفكار الى ابتكارات غالباً ما تكون نتاج بحوث ودراسات داخل معامل المؤسسات التعليمية والبحثية مثل الجامعات. ولكن الوصول الى ابتكار لا يعني النجاح في تحويله الى منتج. سيما عندما لا يكون مجدي اقتصادياً. أو يفي بمتطلبات مُتوَهَّمة وغير موجودة أصلا في السوق. وحتى إذا ما حُوِّل الابتكار الى منتج – اعتمادا على جدواه – فلا يعني أن هذا المنتج سينجح. لأن النجاح يحتاج الى ترتيبات عديدة تؤهل المنتج لكي يكون منافس. المسألة لم تعد بالبساطة التي نسمع عنها في الدورات وورش العمل التجارية الغير مؤطرة علمياً. خاصة أن الاقتصاد الحيوي سوف يضع قوانين أسواق العالم وقريباً. والعالم تحرك في هذا المجال منذ حوالي العشر سنوات خاصة في المانيا واليابان.
أما على مستوى رواد الأعمال، فبالرغم من الجدل الذي يتبناه بعض المتواجدين في قطاعات خارج المؤسسات التعليمية بالتشكيك أو التساؤل حول ما إذا كان بإمكان الجامعات مواجهة التحدي المتمثل في توفير تعليم أفضل لريادة الأعمال، فقد ثَبَتَ أن التعليم في الجامعات يركز على تطوير خصائص رجال الأعمال وأدوارهم أفضل من أي جهة دعم تدريبية أخرى في تعزيز تعليم كيفية إقامة وإدارة منشآت. إضافة، من خلال الجامعات – واعتمادا على نتائج أبحاث أجريت في جامعة “إلينوي” في الولايات المتحدة – ظهر دليلًا هام جداً على أن صياغة خطة العمل من خلال محاكاة الأعمال التجارية هي طريقة تعلم أفضل من الورش وبنتائج واعدة.
وقد دعمت أبحاث هذه الجامعة دراسات أخرى أجريت في النرويج وأعطت ذات النتيجة. لذلك، أصبحت النرويج – على سبيل المثال – تولي اهتمامًا أقل بالتعليم من خلال المحاضرات والورش المستقلة المعتادة واستبدالهما بما يعرف ببرامج تعليم ريادة الأعمال القائمة على الممارسة والعمل داخل الجامعات. وهذا هو الحاصل أيضا في جامعة ستانفورد العريقة في الولايات المتحدة.
برامج تعليم وتدريب ريادة الأعمال الموجودة حالياً في السوق تعتمد في أغلبها على منهج تعزيز ظروف المشاريع الجديدة والتوسع للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. مع إهمال للب القضية وهو المنتج القادر على المنافسة والشخصية الريادية القادرة على قيادة المشروع بدعم فريقه المهني. وهذا لا يتوافق مع متطلبات المستقبل التي تستوجب تعليم جاد وقائم على الانضباط العلمي الأكاديمي. لذلك، لا يمكن ان تترك مهمة تأهيل رواد أعمال المستقبل لجهات دعم غير مؤهلة بعد اليوم.
ريادة أعمال المستقبل قائمة على العلوم الحديثة والمعقدة فنياً سوآءا في الصناعة أو تقنية المعلومات. اقتصاد المستقبل ومنتجاته لا يمكن أن تصمم وتعمل خارج التأطير العلمي. وهنا نلامس قيمة وأهمية دور جامعاتنا للبدء فوراً في تحضير رواد أعمال المستقبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال