الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على الرغم من العلاقة القوية بين أزمات الأسواق المالية والأزمات الاقتصادية العامة، إلا أن الأزمات الاقتصادية قد تنشأ بسبب ظروف أخرى كالأحداث السياسية والعسكرية المؤثرة مثل ما شهده العالم خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو مخاطر تهدد توريد سلعة عالمية مهمة كالبترول.
لقد مرت على الكثير من دول العالم عدد من الأزمات الاقتصادية، ولكن متى توصف الأزمة الاقتصادية بأنها عالمية؟
غالباَ ما توصف الأزمة الاقتصادية بأنها عالمية عندما تصيب الولايات المتحدة الأميركية. لعدة أسباب منها أن حجم الاقتصاد الأمريكي يمثل ربع حجم الاقتصاد العالمي، وأن دول العالم التي لديها فوائض مالية تستثمر في الأسواق المالية الأميركية ولديها معها روابط اقتصادية قوية، وأن الدولار الأميركي هو العملة التي تلقى قبولاً في كل دول العالم ويصعب لهذه اللحظة إيجاد بديل لها. أضف إلى ذلك القوة العسكرية والتأثير السياسي لهذا البلد. وبالتالي فإن الاقتصاد الأميركي يعتبر محور الاقتصاد العالمي بلا منازع، وما يؤثر فيه ينسحب بدرجة كبيرة على الاقتصاد العالمي.
هل ستكون أزمة اقتصادية عالمية عام 2020 أم لا ؟ لمطالعة المقال السابق فضلا اضغط هنا
أصبحت الشهية مفتوحة للتوقعات بعد الأزمة المالية العالمية 2008 -2012 ، حيث أن التوقعات بحدوث أزمة اقتصادية عالمية لم تقتصر على العام 2020 بل سبقتها توقعات في العام 2019 وما قبله. إن الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب التام أو النفي التام سيكون تنجيماً وبحثاُ عن شهرة وعدد متابعين أكثر منه تقدير علمي رصين، حتى ولو صدر ذلك ممّن يقدّمون على أنهم خبراء ومختصون وحتى أكاديميون! لأن أحداث المستقبل كلها بيد الله عزّ وجل يقلبّها ويغيرها كما يشاء، وهذا اعتقادنا كمسلمين وحقيقة مؤكدة لا يجادل فيها عاقل.
هناك اتجاهين رئيسيين تم تبنيهما من قبل المراهنين على حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية وترجيح حدوثها، أحدهما بربطها بالحرب التجارية بين أمريكا والصين، لا بل أن البعض يبالغ في “التأكيد” على حتمية حدوث حرب عالمية ثالثة بين هذين القطبين العالميين بسبب الرغبة في السيطرة الاقتصادية والعسكرية على العالم. فيما يميل اتجاه آخر لتغليب الظروف الاقتصادية بشكل اساسي ويتمادى البعض في التنبؤ بـ ” حتمية الأزمة الاقتصادية العالمية 2020 ” ويسوق على ذلك شواهد أهمها تفاقم أزمة الديون العالمية. ولا شك بأن هناك عوامل أخرى غير هذه وتلك، كما أن تفاعل العوامل الاقتصادية مع العوامل السياسية أمر لا يخفى على كل متابع لمجريات الأمور.
في تقديري أنه لن تكون هناك حرب عالمية ثالثة تؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية كما يروّج لها البعض ويتنبأون، لأن دول العالم القوية لديها من المصالح الاقتصادية والنضج المؤسسي البعيد عن القرارات الفردية، والاستفادة من تجارب الحروب ما يجعلها تغلّب العقل والمصالح وتنأى بنفسها وبكل السبل عن الدخول في مواجهات مباشرة فيما بينها، والدليل الأقرب على ذلك ما يتم الآن بين إيران وأمريكا. وبالتالي فإنني أعتقد بأن الأزمة الاقتصادية لن تأتي –إن أتت- من باب الحرب.
فيما يتعلق باحتمال حدوث الأزمة نتيجة لأسباب اقتصادية تتعلق بزيادة حجم الديون العالمية أو لأسباب تتعلق بالأسواق المالية فإنني لا أرجّح ذلك أيضاً، لأنه وعلى الرغم من وجود بعض المؤشرات الدالّة على احتمال حدوث أزمة فإن هناك مؤشرات أخرى متناقضة معها، لا وبل أن بعضها قد تعزز احتمالات الطفرة الاقتصادية. فقد استمرت سلسلة الانتعاش الاقتصادي للعام الحادي عشر على التوالي في الولايات المتحدة وتواصل تحقيق معدلات النمو الاقتصادي الجيدة، واستمرار الإضافات القوية لسوق العمل، ومن ثم استقرار معدل البطالة عند أدنى مستوياته في نصف قرن، وارتفاع مستويات الأجور، بالإضافة إلى وصول أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية.أضف إليها ثبات الدولار وقوته كعملة آمنة رغم الأزمات وارتفاع العائد عليه مقارنة بالعملات الأخرى. وفيما يتعلق بالوضع العالمي فإنه وعلى الرغم من تخفيض البنك الدولي لتوقعاته للنمو العالمي لعام 2020، إلا أنه لم يشير إلى حدوث أزمة اقتصادية عالمية. بل إنه على العكس من ذلك قدّر احتمال خروج بعض الدول من الركود، وأن تتحسن آفاق 6 دول عانت من التباطؤ عام 2019، بينها تركيا وروسيا والبرازيل والهند والمكسيك. كل هذه وغيرها مؤشرات لا يعطيها بعض المتنبئين بحدوث الأزمة وزناً ويغفلونها بقصد أو بغير قصد، وهذا يتناقض مع المنهج العلمي والطرح المتّزن.
خلاصة القول، إن توقع أي حدث اقتصادي مستقبلي يبقى رهن متغيرات معقدة عديدة ومتداخلة بشكل كبير، ويبقى لكل محلل وجهة نظره حسب رؤيته وتحليله للأحداث. وعلى الرغم من تقديري بعدم حدوث أزمة اقتصادية، إلا أن هذا لا يعني الثقة بكفاءة النظام العالمي الاقتصادي القائم، ولا ينفي عدم عدالة هذا النظام، وأنه نظام غير صالح لتحقيق العدالة الاقتصادية للبشرية لما فيه من اختلالات هيكلية سواء فيما يتعلق بالفائدة أو بطبيعة عمل الأسواق المالية أو تحكّم فئات قليلة بثروة البشرية. وهذه أمور قد نفرد لها مقالاً في المستقبل إن سمحت الظروف.كما أن ما قمت به في هذه العجالة مجرد إبداء وجهة نظر قد تصيب وقد تخطىء، وسوف تبدي الأيام مدى دقّة التحليل والرؤية………………. والله أعلم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال