الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الأسبوع الماضي، صوتَ غالبية دائني أحد عملاء مكتبنا (شركة أحد المصانع الكبيرة في المملكة) بالموافقة على مقترح التنظيم المالي للشركة، كي تستمر في أعمالها وتُجدول سداد مديونياتها بأقساط مقبولة للدائنين، تتوافق مع قدرة التاجر وتدفقاته المستقبلية المتوقعة، فيكون بذلك قد تحقق النجاح للتاجر بأن يستمر حفاظاً على تجارته وصناعته وموظفيه وعطاء خبرته، وخدمة اقتصاد الوطن بأسره، إنتاجاً وتوظيفاً ودورة اقتصاد متكاملة، وفي ذات الوقت تحقق للبنوك والدائنين فرصة سداد مديونياتهم.
وبالرجوع وراءً بالاحداث، فإن التاجر قد تعثر عن سداد مديونياته البالغة مئات الملايين، رغم متانة صناعته، لأسباب عديدة، ليس محل الحديث عنها هنا، فتسارعتْ بعض البنوك بالتنفيذ على عقارات المصنع ومحاولة سجن التاجر بصفته ضامناً للمديونيات، وكانت المعركة حامية بين بعض الدائنين وبالذات من لديهم ضمانات تُغطي ديونهم، وذلك بالتنفيذ على الضمانات العقارية وبيعها وإن بالمزاد العلني بثمن بخس أقل بكثير من سعر السوق، استيفاءً لديون بعض البنوك، وإن كان ذلك أيضاً على حساب إغلاق الصناعة، أو الإضرار ببعض الدائنين ممن ليس لديهم ضمانات أو لديهم ضمانات لا تُغطي ديونهم.
ثم كان طلب التاجر حمايته بتسوية واقية من الإفلاس، تماشياً مع أحد الخيارات التي يمنحها نظام الإفلاس للتاجر المُتعثر في سبيل النهوض من عثرته واستعادة قوته واستمراره في نشاطه، والوفاء مع الدائنين بسداد ديونهم، إلا أن بعض البنوك – وبالذات ممن لديهم ضمانات تُغطي ديونها – لم ترغب في تلك المرحلة بالموافقة على المقترح الخاص بالتسوية الوقائية من الإفلاس، ويعود ذلك لأسباب عديدة منها؛ التفكير الأُحادي بمصلحة البنك وحده، وبالذات ممن لديهم ضمانات تُغطي ديونها وإن كان ذلك على حساب التاجر أو البنوك والدائنين الآخرين أو بالاقتصاد عموماً.
بعد ذلك استمرتْ المعركة، من التاجر ومحاميه، فتقدمنا بطلب تنظيم مالي للتاجر، وتمت المواففة من البنوك والدائنين على مقترح التنظيم المالي للتاجر. إنه؛ إن كان لنا وصف لما حدث، فهي معركة بمعناها الحقيقي، بين ما لدى الدائنين من ضمانات وسندات لأمر وسعيهم في جولة من المعركة لبيع عقارات التاجر والتنفيذ على الضمانات، وبين إصرار محامي التاجر على قناعته بقوة التاجر وقدرته بتوفيق الله على الاستمرار.
ولنا من التجربة التأكيدات الآتية:
١/ أن الأهم في مثل هذه الحالات، هو معرفة حال التاجر، والاختيار الأنسب له، سواء بالتسوية الواقية من الإفلاس أو بالتنظيم المالي أو بالتصفية والإفلاس.
فلكل تاجر الخيار الأنسب له بحسب حاله وتوقع مستقبله، وتقييم ما له وما عليه.
٢/ أن على الدائنين، وبالذات البنوك، تقدير ظروف التجار وما قد يمرُ بهم من صعوبات وتعثرات، بحيث يتحملوا مسؤوليتهم الاقتصادية بما في ذلك تقييم مصلحة البنك أيضاً، إذ أن الموافقة على استمرار التاجر في تجارته، وليس كسره، فيه مصلحة للتاجر واستمراره، ومصلحة للدائنين والبنوك في استيفاء المديونيات ولو بجدولة من غير زيادة أرباح، وفي ذلك مصلحة لهم، وهو ما لمسته من البنوك في تجربتي المسرودة آنفاً، وهو دور إيجابي تُشكر البنوك عليه، ونحثها على ذلك، تفادياً للخيار الثالث وهو إفلاس التاجر وتصفية نشاطه، وفي ذلك إضرار بالجميع بما في ذلك البنوك.
٣/ في مقال قادم، سأتحدث بإذن الله عن التوازن بين ما للدائنين وما عليهم في مقابل ما للمدينين وما عليهم في معركة تحقيق مصلحة كل منهما، في ظل ما يملكانه من خيارات.
شكراً للبنوك لمنح التاجر المُتعثر فرصة للاستمرار، شكراً للتاجر المدين لتحمله مسؤوليته تجاه دائنيه وحرصه على الوفاء بالتزاماته.
وحفظ الله مُقدرات الجميع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال