الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتحدث هوارد جاردنر في كتابه «العقول الخمسة القادرة على قيادة المستقبل» عن العقل الثاني واصفًا إياه بالعقل التركيبي ويعني بذلك: «العقل الذي يحاول جمع ما بين أكثر من علم ومنهجية وتركيب أحدهما على الآخر». واستنادًا إلى ذلك وفي مجال العلاقات الدوليَّة فإنَّ شكل وطبيعة وأساليب العلاقات الدوليَّة يتغير يومًا بعد يوم ويتداخل فيه عددًا مِن المحددات والعناصر الجديدة لاسيَّما فيما يتعلق بقوة الدولة، وسعيها إلى تفعيل قوتها في شتى المجالات وتحويلها إلى عُنصر جذبٍ وتأثير خارجيٍّ، ومن هنا تولد مصطلح سنحاول الحديث عنه بالرغم من الصعوبات اللغويَّة والاصطلاحية التي تُحاول وصف هذا المفهوم والإبحار نحو تفكيك ما يسمى العلامة التجارية «الإيسام» وهو مقاربة لتعريب كلمة To Brank/ Branding ، وهي مفردة إنجليزية درج إستخدامها في مجال الأعمال وتتعلق بخلقِ هويةٍ ومنتجٍ يتألف مِن مجموعة مِن القيم لمنتجٍ ما، ونعني بالمنتج هنا «الدولة أو السياسة الخارجية» وهنا تتداخل عناصر أو مفاهيم أُخرى لطالما تم استخدامها في عالم الأعمال ألا وهي:
– الإعلان.
– التسويق.
– العلاقات العامة.
ولكل مفهوم من تلك المفاهيم تعاريفه الخاصة، فالأول يحاول أن يُظهر صورة الدولة وقد عَرَّفتْ جمعية التسويق الأمريكية الإعلان بأنهُ: «وسيلة غير شخصية لتقديم الأفكار والسلع والخدمات بواسطة جهة معلومة ومقابل أجرٍ مدفوع» وقد يُعرف أيضاً بأنه: «عملية اتصال تهدف إلى التأثير من البائع على المشتري على أساس غير شخصي إذ يفصح المعلن عن شخصيته، ويتم الاتصال من خلال وسائل الاتصالات العامة». أما في مقالنا هذا فإنَّ السلعة هي «الدولة» بحدِّ ذاتها.
أما فيما يتعلق بتعريف التسويق فهو: «مجموعة من العمليات أو الأنشطة التي تعمل على اكتشاف رغبات العملاء وتطوير مجموعةٍ مِن المنتجات أو الخدمات التي تُشبع رغباتهم وتحقق للمؤسَّسة أرباحًا خلال فترة زمنية مناسبة» كما يمكن تعريف التسويق بأنه «فنُ البيع»، إلَّا أنَّ المبيعات هي جزء مِن العملية، أما المبيعات في مقالنا هذا فلا تقتصر على أن تُحقق الدولة مبيعاتٍ مِن خلال شركاتها، بل تصل إلى أنْ تُحقق أرباحًا ونتائجَ في مجموعة من المؤشرات الدولية، حتى تعكس صورةً إيجابيَّة وهويةً مرغوبة.
أما الأخيرة وهي العلاقات العامة فتعرف على أنها الفن القائم على أُسس علميَّة لبحث أنسب طُرق التعامل الناجحة المتبادلة بين المنظمة وجمهورها الداخلي والخارجي لتحقيق أهدافها مع مراعاة القيم والمعايير الاجتماعية والقوانين والأخلاق العامة بالمجتمع» وكل هذه الثلاثة تُلزم السياسات الخارجية للدولة على ابتكار العلامة التجارية لها أو «إيسام» الدولة، وتفعيل الهوية الوطنية.
إنهُ ليس بالأمر الجديد أن تهتم الدول بصورتها محلياً و دولياً، وتمكين مواطن القوة والقيمة لديها، ومن هنا جاء التعبير في كثير من الأدبيات باستخدام كلمة الأمة لإضفاء العراقة والبُعد الحضاري للدولة، حيث مثلت السنوات العشر الماضية نقطة تحول في الأساليب التي تستخدمها الدول لإدارة سمعتها، ففي العديد من الحالات تقوم الحكومات بتوظيف شركات العلاقات العامة وتطبيق نظرية إدارة العلامات التجارية، والتي كانت في السابق مجالًا لدوائر الاتصالات المؤسسية والندوات بين مدارس الأعمال، كما وتحاول المقاييس الجديدة تقدير قوة العلامات التجارية الوطنية، وقد شهد هذا المجال ازدياداً حقيقيًا في الأدبيات الغربية التي تعمل عليها تقنيات العلامات التجارية وأيها لا تعمل، وفي الوقت نفسه تخطت جهود العلامات التجارية ، كما تقوم الدول الآن بتوظيف شركات لمساعدتها على إطلاق حملات متطورة للعلامات التجارية تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتسهيل التجارة، وتحسين القدرة التنافسية للقطاع الخاص أو حتى تأمين التأثير الجيو-سياسي.
وفي خضم الأحداث العالمية وتسارعها، وتعدد العوامل المؤثرة على العلاقات الدولية، بدأت الأسئلة في الظهور حول تداعيات العلامة التجارية للأمة، ومن تلك الأسئلة أو التداعيَّات إن صح التعبير: الضرر المحتمل الذي يمكن أن يحدثه إذا افترضت البلدان أنها تستطيع أن توظف مكنوناتها وارثها الثقافي والحضاري من أجل تنمية مواردها الاقتصادية، والتأثير إيجابا في سمعتها الدولية.
كيف تطور هذا المفهوم وماهي المصطلحات التي استخدمها الباحثين للتعبير عن هذه الممارسات الصاعده والمركبة، وكيف للدول الاستفادة منها محلياً ودوليا، نتطرق بإذن الله في سلسلة مقالات قادمة في محاولة لتفكيك هذا المفهوم الشيق والهام
وبالله التوفيق
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال