3666 144 055
[email protected]
لطالما كان الاقتصاد الشغل الشاغل للمجتمعات ومنهاجاً لتحضرها على نحو من المعطيات التي تَقاسم افكارها وتَجاذب نظرياتها المفكرون والفلاسفة على امتداد التاريخ الفكري الاقتصادي بدءاً من أفلاطون والذي يعد أول عمالقة الفكر الفلسفي الاقتصادي حين نادى في كتابه المدينة الفاضلة الى مجتمع مثالي الكل فيه متساوون لا غني او فقير ويتقاسمون الموارد بعدالة بعيداً عن المنافسة وامتلاك الارض المُنتجة وانتهاءً بمفكري الاقتصاد في عصرنا الحاضر الذين وضعوا نظريات تطبيقية لاتزال تُمارس وتُدرس.
بيد أن أفلاطون في مجتمعه الأفلاطوني قد رسم صورة خيالية يستحيل تطبيقها على ارض الواقع وحتى هو قد ألمح في كتابه على صعوبة تحقيق ذلك ثم جاء آرسطو على النقيض من ذلك عندما دعى الى الملكية ، وهكذا هو حال الاقتصاد الصحي القابل لكافة الآراء ، بيد ان من أضعفها تبني او خلق الافكار الاقتصادية حين تكون غير مقبولة ويستحيل تنفيذها او انها مقبولة وممكن تنفيذها لكن أدواتها غير متاحة ، هذه الأبعاد الفكرية بكافة اتجاهاتها رسمت في الاقتصاد منهاجاً يحمل النظرة التفاؤلية او التشاؤمية بمساحات جدلية هي في الواقع روح الاقتصاد .
لقد خلّف الاقتصاديون العظام افكاراً ونظريات هي اليوم بمثابة القلب النابض في الحياة العامة ومكونات المجتمع ، رسموا بهدوء منهاجاً وانظمة اقتصادية شكلت خارطة طريق نحو ممارسة الازدهار الذي يواكب معطيات وامكانات الموارد المتاحة وكفاءة تشغيلها وكيفية عمل الاقتصاد داخل اي منظومة والشيء الجميل ان الخلافات الفكرية ونسف مبادئها من قبل بعضهم البعض هي نتاج لقناعات وفق ما تحمله فكرة الخلاف لا الاختلاف ولذلك عادة ما يلتقي عظماء الاقتصاد المتفقون والمختلفون في اللقاءات والمناسبات الخاصة ويتناولون الطعام على طاولة واحدة بأجواء من المرح والتقبل حتى بات الفكر الاقتصادي بنظرياته اشبه ما يكون بكفتي ميزان لقادة الآراء متعادلة لا خاسر او كاسب بها إِذْ تبق في دائرتي اليقين وعدم اليقين الذي عادة ما يغلف تلك الآراء.
ومن هنا فإن المعرفة الاقتصادية تتسع دائرتها للجميع فتتمخض العديد من المذاهب التي تلائم الزمان والمكان وهكذا دواليك لكنه يبق القوة والمحرك الأساس للشعوب ، لقد كان الاقتصاد عند آدم سميث عالم مليء بالبهجة والتفاؤل والتصالح الفكري وعلى النقيض من ذلك برز في جانبه القاتم مالتس وريكاردو وفبلن الا ان ما قدموه كان بمثابة اضافة خلافية كما هو الحال مع ماركس ومنظروا أفكاره وهكذا هو الاقتصاد بين هذا وذاك حتى تتحقق الغايات الهادفة او تُحيّد جانباً ببقائها كفكر او معرفة غير قابلة للتطبيق .
الاقتصاد بتاريخه الفكري الطويل هو من شكّل في الواقع القوى والنفوذ والحقائق العظمى ومنافعها للشعوب ، قد لايهتم او يهم القارئ الكريم من وقف خلف الدعائم الاقتصادية الاساسية التي تحرك كفاءة الأسواق او توظف عناصر الإنتاج او الزخم الهائل من الممارسات الاقتصادية التي تعمل طبقاً للظروف لكن المؤكد ان من كان خلف هذه العظمة الاقتصادية عظماء مفكرون أمثال آدم سميث ، ريكاردو ، مارشال ، كينز وصولاً الى منظري المدارس الاقتصادية الجديدة التي تكتظ بها اروقة الجامعات العالمية العريقة او المنظمات الاقتصادية الخلاقة.
لقد كان الاقتصاد ولا يزال علماً وعملاً نبيلاً جاذباً لا ينكفِئ عن الأخلاق والمهنية ، هذا العلم الذي لايتسع إلا للحقائق الرقمية التي لاتقبل الجدال كيفما إذ يكون او صياغتها النظرية التي تتسع معها دائرة الجدال حين يحدث معها الانقسام الفكري والتحليلي وهذه ظاهرة صحية يمتاز بها علم الاقتصاد دون غيره والمهم حينئذ ان لا يكون هذا التيار ( خيالياً فيُستنكر او تشاؤمياً فيُحبط ! ) وفي اعتقادي هنا بأن ( الأمل الاقتصادي ) هو الآخر الدرجة التي يمكن تغليبها على الخيال بينما الواقعية هي الدرجة التي يجب ان تتوقف عندها النظرة التشاؤمية .
مجمل القول : يقال بأن علم الاقتصاد علم جاف وصعب لا يجيده سوى من يألفون الافكار الغامضة ، الفكر الاقتصادي بمدارسه المختلفة حمل مسؤوليات جسيمة أسهمت في ديناميكية الاقتصاد ومخطئاً من يظن ان علم الاقتصاد محصوراً على الاستاذة الأكاديميين ذلك انه مجموعة من المبادىء التي تشكل الحياة الاقتصادية وقراراتها المختلفة سواء كانت تلك القرارات من واقع افكار العقول الاقتصادية ام انها مكتسبة بالتجارب أو تراكم الخبرات، والتنبؤ التحليلي وفق نماذج يمهد على نحو قويم من مجموعة الوسائل الصحيحة لاستشراف المستقبل ، فلم يعد من الأهمية بمكان تبني نظريات الإقناع او توظيف التشاؤمية بهواجسها وذعرها الاقتصادي الذي يتجاوز الحماس والشغف المنطقي ، ما يسترعي انتباهنا حقيقة هي الأدوات والممكنات التي تدير الاقتصاد لتحقيق النمو والازدهار والرخاء الاقتصادي ونستشعر كمهتمين بعلم الاقتصاد أصوات الماضي لعظماءه الذين مهدوا لعالمنا المعاصر اقتصاداً يعمل كي يتطور .
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734