الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أصبح تحول الطاقة ضرورة حتمية في جميع أنحاء العالم، وذلك من أجل تمكيننا من تغيير الممارسات التي نستهلك بها الطاقة. فالتحول الحاصل سيمكننا بشكل كبير من إنتاج الكهرباء من الموارد غير الأحفورية المتجددة، والتي لا تنضب ولا تنبعث منها أي غازات دفيئة. تبعاً لذلك، فإن ظهور وانتشار حلول الطاقة المتجددة يعد ضرورة لتكامل “مزيج الطاقة” المتكون بالأساس من جميع موارد الطاقة “التقليدية” بالإضافة للطاقة المتجددة والتي تلبي احتياجاتنا من الطاقة والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. ويتم تدريجياً استبدال المصادر الأكثر تلويثاً، مثل الفحم أو النفط بمصادر متجددة. مع الاهتمام بمبدأ كفاءة استخدام الطاقة، والتي تهدف إلى تقليل كمية الطاقة المستهلكة للغرض نفسه، والتي ستساهم أيضًا في تقليل استخدام أنواع الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا.
يذكر تقييم وكالة الطاقة الدولية لاستهلاك الطاقة العالمي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ذات الصلة بالطاقة لعام 2018م. أن نمو الطلب على الطاقة أمر مهم في جميع أنحاء العالم. فقد نما الطلب بنسبة 2.3%، وهو أسرع وتيرة في هذا العقد، ويعد أداء استثنائي مدفوع باقتصاد عالمي قوي واحتياجات أقوى لإنتاج الكهرباء لأغراض متعددة. برز الغاز الطبيعي باعتباره الوقود المفضل، مسجلاً أكبر المكاسب ويمثل 45% من الزيادة في استهلاك الطاقة. كان نمو الطلب على الغاز قويًا بشكل خاص في الولايات المتحدة والصين. وزاد الطلب على جميع أنواع الوقود، حيث حقق الوقود الأحفوري ما يقرب من 70% من النمو للعام الثاني على التوالي. كما نما توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بوتيرة مضاعفة، مع زيادة الطاقة الشمسية وحدها بنسبة 31%.
ومع ذلك، لم يكن ذلك سريعًا بما يكفي لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في جميع أنحاء العالم والذي أدى أيضًا إلى زيادة استخدام الفحم. ونتيجة لذلك، ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة بنسبة 1.7% إلى 33 جيجا طن. وتجاوز استخدام الفحم في توليد الكهرباء وحده 10 جيجا طن، وهو ما يمثل ثلث إجمالي الانبعاثات. وتواصل الكهرباء وضع نفسها “كوقود” للمستقبل، حيث ارتفع الطلب العالمي على الكهرباء في عام 2018م إلى أكثر من 23000 تيراواط ساعة. هذا النمو السريع يدفع الكهرباء نحو 20% من إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة. وزيادة توليد الكهرباء كانت مسؤولة عن نصف النمو في الطلب على الطاقة الأولية.
التحول الذي يحدث للطاقة على مستوى عالمي بالتأكيد سينعكس على المنطقة ككل. ونحن نعتبر في السعودية من الدول المتقدمة في خيارات الطاقة، حيث باعتقادي أننا نمضي بشكل تدريجي وفق الإطار العام للتحول في هذا المجال، ولكن دون أن نستبق الخطوات، لأن الأمر قد لا ينحصر بقرار بل بحقائق علمية وعملية مدروسة. ومما لا شك فيه، أن السعودية ملتزمة في حفظ استقرار وأسعار إمدادات الطاقة، بالإضافة إلى الاهتمام بقضايا بدائل الطاقة كالتقنيات الجديدة التي تحسن من كفاءة الاستهلاك والتكاليف المصاحبة والاضرار البيئية. ولهذه الأسباب وغيرها، تم إطلاق البرنامج الوطني للطاقة المتجددة ليكون مركزاً لجذب استثمارات الطاقة المتجددة، ومصمم لتحقيق التوازن في مزيج الطاقة الكهربائية والوفاء بمساهمات المملكة الطوعية والمقررة وطنياً لتجنب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى تماشياً مع رؤية المملكة 2030.
برأيي أن المزيج الاستراتيجي للطاقة في المملكة سيكون من أكثر الاستراتيجيات استدامة وأطولها أمدا. حيث أن المملكة تعتمد على النفط كمصدر رئيس للطاقة، وفي المستقبل القريب سيركز مزيج الطاقة بشكل كبير على تطبيقات الغاز والطاقة المتجددة في معظم مناطق المملكة بهدف الوصول إلى مزيج من الطاقة الكامل. وبالتأكيد ستصاغ هذه الاستراتيجية وفق أسس عالية الجودة، حيث أن العمل من أجل خلق مزيج من الطاقة، أفضل بكثير من العمل على فرض أنواع متعددة من تقنيات الطاقة المتجددة. وهذا دليل على أن الاستراتيجيات الواقعية أهم بكثير من اللجوء للاستراتيجيات العاطفية، فجميع الدراسات تدل بشكل قطعي إلى أن الطلب على الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء سيظل موجود لسنوات عديدة قادمة، والحل هنا يكون بتكامل المنظومة وخلق مزيج طاقة قوي ومستدام يحفظ استقرار الطاقة في المستقبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال