الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بات البحث العلمي من بديهيات الحياة المعاصرة وضرورات نهوض الدول والمؤسسات والمجتمعات. ولا ضير التذكير دوماً بأهمية البحث العلمي ودوره في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والحضاري والتذكير بالحاجة إليه. وعلى الرغم من أهمية البحث العلمي في مختلف المجالات فإننا سنركّز اهتمامنا على البحث العلمي في العلوم المالية والاقتصادية.
أظهر تقرير حديث للمؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة أنه قد تم نشر أكثر من 2.5 مليون مقالة علمية حول العالم في عام 2018 . وقد كان لعملاقي الاقتصاد العالمييّن الولايات المتحدة والصين نصيب الأسد من هذا الجهد العلمي. وأول ما يقفز إلى أذهاننا الربط بين البحث العلمي ومستوى التقدم والتطور الحضاري عموماُ والاقتصادي خصوصاً الذي تتمتع به تلكما الدولتين. مع ملاحظة تجاوز الصين للولايات المتحدة لأول مرة، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على أن هذه الدولة قد امتطت صهوة البحث العلمي لكي تنتقل من دولة نامية إلى قوة اقتصادية عظمى تنافس الولايات المتحدة واليايان وأوروبا بل وتسبقها.
وفي نفس السياق نجد أن الهند التي كانت لفترة قريبة تعاني من الأمراض والجهل والفقر تنتقل إلى المركز الثالث عالمياً في ميدان البحث العلمي. وبتنا نرى ونسمع عن قيادات عالمية لأبرز الشركات من هذا البلد، وهذا يعود في جزء كبير منه للاهتمام بالبحث العلمي.
تثير المعطيات السابقة الكثير من التساؤلات حول واقع البحث العلمي في الوطن العربي عموماً وفي المملكة خصوصاً، وعن قدرة مراكز البحث العلمي ممثلة بمؤسسات التعليم العالي أو الشركات الصناعية والمؤسسات المالية وغيرها على إيجاد بيئة داعمة لبحث علمي يرفع من سوية البيئة الاقتصادية ويفيد مؤسساتها ويفيد الاقتصاد والمجتمع عموماً.
إن خطة النهوض الحضاري التي تلخصها رؤية المملكة 2030 وما تضمنته من برامج وخطط تفصيلية تحمل في ثناياها رسائل غاية في الأهمية عن الوسائل التي ستمكن المملكة من تحقيق غايات هذه الرؤية لتنقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة والأكثر تحضراً. ولا يخفى على كل مهتم أن الوسيلة الأهم التي ستمكّن من ذلك هي البحث العلمي. فالخطط الطموحة والأهداف العالية تحتاج إلى رؤية بحثية تنقل الأحلام والتطلعات إلى واقع ملموس.
تتمتع المملكة العربية السعودية ببيئة اقتصادية غاية في الثراء، وأعتبرها ما زالت أرضاً خصبة بكراً للبحوث الاقتصادية المتخصصة سواء في مجال الأسواق المالية والاستثمارات الصناعية وسوق العقارات، أو في البحث في القضايا والمشاكل التي تتعلق بالموارد المختلفة للشركات في مختلف القطاعات الاقتصادية. وقد لفتت هذه البيئة الثرية نظر بعض الباحثين الأجانب من خلال دراساتهم وكتبهم المتخصصة للاستفادة من الحالات الدراسية من واقع الاقتصاد السعودي.
وحتى لا أطيل في الموضوع فإنني ألخص بعض النقاط التي أرى أنها تساهم في تطويع البحث العلمي في العلوم الاقتصادية والإدارية لخدمة المملكة وتحقيق رؤيتها الشاملة 2030.
– توجيه جهود البحث العلمي في الجامعات وفق الأولويات الاقتصادية للمملكة وأن يتم الاهتمام بتطوير بدائل وطرح حلول عملية للمشاكل التي تواجهها مؤسسات الاقتصاد السعودي. فإنه وعلى الرغم من الجهود المتميزة للجامعات في هذا المجال إلا أن حلقة التواصل مع الشركات والمؤسسات الاقتصادية ما زالت مفقودة، بحيث تنتهي أغلب هذه الأبحاث على شكل أرقام تدعم ترتيب الجامعة أو تلك في التصنيفات المختلفة أو تنعكس فقط على ترقيات لأعضاء هيئة التدريس أو درجات علمية للطلاب.
– إشراك الأكاديميين من المنتديات المتخصصة والمؤتمرات والمناسبات الاقتصادية والاستفادة من خبراتهم وأبحاثهم ومعارفهم في الإعداد للمناسبات الاقتصادية المهمة والاسترشاد بآرائهم.
– الاهتمام بالكفاءة فيما يتعلق بحجم الانفاق على البحث العلمي وفي الأبحاث. فالعبرة ليست بحجم الإنفاق وعدد الأبحاث بل بالكفاءة التي تنعكس على الاقتصاد ومؤسساته العامة والخاصة وعلى المجتمع. وأقترح تطوير وتعميم مؤشرات كمية لقياس كفاءة استخدام الأموال المخصصة للبحث العلمي واستخدامها للمقارنة بين مراكز البحث في الجامعات.
– ضرورة توجيه الشركات والمؤسسات الكبرى لإنشاء إدارات ومراكز متخصصة في البحث العلمي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال