الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تنويع مداخل الاقتصاد يعتبر من أهم التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي التي اعتمدت لفترة طويلة جداً من الزمن على النفط كالمصدر الأساس – وتقريباً الأوحد – للدخل. مما صنع اقتصادات ريعية لا يمكن لها أن تقف أمام متغيرات الحاضر والمستقبل المتسارعة. هذا أوجب العمل على تمكين القطاعات الخاصة فيها والتركيز على رفع مشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في نواتجها المحلية.
بالرغم من أن مشاركة قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي (GDP) بالإمارات تعتبر الأعلى متجاوزة نسبة %40، الا أن النسبة في سلطنة عمان لا تتعدى %15 والبحرين %30. أما في المملكة فالمطلوب رفع النسبة من %20 الى %35 بحلول عام 2030. وفي الكويت النسبة تتراوح ما بين %3 حسب تقرير البنك الدولي و %8 حسب تقرير هيئة الاستثمار الكويتي لعام 2018. وقطر اقل من نصف في المائة.
بيئات ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون الخليجي متباينة بفروقات واضحة في التأثير أو الكثافة العددية للرياديين المواطنين أو المنشآت وتنوع أنشطتها أو العمق المعرفي أو الموارد المالية أو امكانيات البنية التحتية والتشريعية والخدمات المقدمة لها. وحتى في القدرة التنافسية سوآءا فيما بينهم أو مع غيرهم إقليميا ودوليا.
ولكن إذا نظرنا للأمر من زاوية أخرى سنجد أن هذا التفاوت الكبير والملاحظ بينهم ايجابي ومغري لكي يُطَّوِر منظومة خليجية تكاملية ومتنوعة نحو اكتفاء محلي وإقليمي. منظومات دول مجلس التعاون يمكن لها الاستفادة من بعضها. في المملكة على سبيل المثال، عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة 551 ألف منشأة في عام 2019 حسب ما أعلن عنه محافظ هيئة “منشآت” أثناء ملتقى الميزانية 2020 في مدينة الرياض (10 ديسمبر 2019) بعد أن كان العدد يقارب 950 ألف منشأة حسب أرقام هيئة الإحصاء السعودية في مارس 2018. بصرف النظر عن أسباب خروج 400 ألف منشأة من السوق في أقل من سنتين، الا أننا لم نحاول أن نكتشف في هذا العدد المرعب ما يمكن أن يكون فرصة تعمل في سوق خليجي آخر وتدعم اقتصاده.
دولة الإمارات – كمثال آخر – التي بالرغم من سهولة التشريعات فيها مما جعلها قِبلة روّاد الأعمال من أنحاء العالم، وأوصل مساهمة قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في ناتجها المحلي الي مستوى عالي مقارنة بباقي دول مجلس التعاون الا أنها تعاني من شُح مقلق جدا في عدد الرواد المواطنين. وفي الوقت الذي تزخر فيه المملكة بالأدوات التمويلية الضخمة، الا أنه لا توجد مثيلاتها في مملكة البحرين لدعم روّاد الإبداع التقني فيها. بينما تتمتع البحرين بتشريعات متكاملة بخصوص عمل رؤوس الأموال الاستثمارية الخطرة (Venture Capital) في وقت مازالت المملكة في أول طريقها في هذا المضمار. وأيضاً، لا يستفيد روّاد الكويت الافذاذ في التجارة من الانطلاق من عمان لأسواق إقليمية جديدة من خلال مشاركة ودعم رواد السلطنة.
والسؤال هنا: هل حان الوقت لتكامل آليات منظومات المنشآت الصغيرة والمتوسطة لدعم روّاد الخليج العربي؟ وهل توجد سِمات في دول مجلس التعاون تدعم الحراك نحو التكامل؟
الإجابة بالإيجاب والسِمات غنية ومتوفرة. إذا أخذنا على سبيل المثال المملكة – الشقيقة الكبرى والعمق الاستراتيجي لشقيقاتها بلا استثناء – سنجد أنها أكبر سوق في الشرق الأوسط من كل زواياه. وبما أن المملكة فيها أكبر تعداد سكاني في دول مجلس التعاون وبعض جامعاتها ذات صيت عالمي في البحث العلمي والابتكارات فهذا يعكس كم أعلى كثافة من المبتكرين والروّاد. ولا ننسى برنامج خادم الحرمين للابتعاث الذي استفاد منه ما يقارب المليون شخص من أبناء وبنات المملكة. هنا، نحن نتحدث عن كم نوعي وعددي في المعرفة والتجربة يدعم اقتصادات دول منطقة الخليج. أضف الى ذلك التقدم الملحوظ في خطط رؤية المملكة 2030 التي فتحت مجالات واسعة للعمل فيها. وهذه فرصة لمشاريع روّاد الخليج – في المقابل – أن تساهم في الناتج المحلي السعودي.
دولة الكويت – كمثال آخر – منذ الخمسينيات ميلادية في القرن الماضي وهي معروفة كوسيط تجاري مهم جدا إقليمياً. السبب في ذلك هو أن الكويت موطن العقليات الفذة في التجارة والتفاوض. مما جعلها تُكَّون علاقات متينة أدت الى تأسيس روابط في أسواق كبيرة إقليميا وعالميا. وتظل الكويت تتميز بهذه الأهمية الاستراتيجية ما دمنا ننظر للأمر من النافذة التكاملية لريادة الأعمال في المنطقة.
أما مملكة البحرين فميزتها التنافسية الأهم هي التزام وانضباط مجتمعها المهني القائم على رقي مستواه التعليمي. البحرين مؤهلة أن تكون موطن منصات العمليات الخلفي للمنشآت (بكل أحجامها) في منطقة الخليج العربي. وإذا ما دُعموا روّادها فربما تتجاوز المنطقة لتخدم أسواق أخرى في العالم. البحرين ليس فقط تستطيع ان تنافس في هذا المضمار، بل وتحمي المنطقة من اي منافسة خارجية كالقادمة من الهند وشرق اوروبا وتركيا. الكفاءة البحرينية عالية جدا واحترافية. وهذه ميزة تنفرد بها البحرين.
ويطول الحديث إذا ما تطرقنا لإمكانيات دولة الامارات العربية المتحدة التكاملية. ولكن أهم سِمة فيها هو أن الامارات بوابة عالمية تدخل من خلالها أفكار ومشاريع ريادية من كل أنحاء العالم ويمكن أن يخرج من خلالها أفكار ومشاريع ريادية خليجية للعالم. هذا إضافة لتنوع وقوة محافلها من منتديات ومؤتمرات وتواصل حتى أصبحت همزة وصل لروّاد المنطقة العربية والهند مع المستثمرين العالميين. وهذا يمكن أن يدعم رواد التقنية المبتكرين من السعودية والبحرين على سبيل المثال. ومع بنيتها الرائعة ونمط الحياة فيها، تكون الإمارات اختيار مناسب لرواد الخليج في مجالات يمكن أن تساهم في رفع الناتج المحلي لها. وأيضاً المساهمة في رفع الناتج الوطني (GNP) لدول المنطقة التي ينتمي لها هؤلاء الروّاد. ولا يمكن أن نتجاهل سِمة سلطنة عمان الفريدة والتاريخية في سلاسل الامدادات التجارية. فمدى قبول أهل عمان كوسطاء تجاريين خاصة في افريقيا، يفتح أبواب الانطلاق اللوجستي والتجاري الضخم من خلالها.
السماح للروّاد ومنشآتهم في دول المجلس من الاستفادة من الخدمات المتنوعة سيدعم الكثير منهم نحو تأسيس منشآت مؤهلة للتوسع والانتشار والقادرة على خلق الوظائف وتوطين الثروات داخل دول مجلس التعاون. بل ويمكن الانتقال (والتشارك بين روّاد الخليج) يكون سبب هام في استمرار واستدامة الكثير من المنشآت والمشاريع.
ربما حان الوقت للجهات التشريعية والمنظمة لبيئات ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون ان تقتنص الفرصة وتنظر في الموضوع بجدية. والبدء بدراسة التشريعات والأنظمة لمحاولة العمل على الموائمة فيما بينهم. هنا، اتحاد الغرف الخليجية يمكن أن يكون له دور رائد في هذا التوجه. خاصة أن التحديات التي تواجه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تتطلب العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينهم. وريادة الاعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة مؤهلة لتكون اللبنة الأساس لتمهيد الطريق نحو التكامل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال