الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل أكثر من شهرين، سعدت بمرافقة مجموعة من المستثمرين الدوليين لزيارة عدة منظومات استثمارية بالمملكة بغرض التعرف على ما لديهم من فرص استثمارية واعدة. وبالرغم من حفاوة الترحيب التي قوبلنا بها، الا أن أغلب هذه الجهات لم تقدم للمستثمرين مشاريع او مجالات يمكن اعتبارها فرص جاذبة. ما قُدِّم لم يتعدى عرض تأريخي عن تأسيس المنظومة أو عرض مواقع اراضي استثمارية – على الخارطة – ضمن مواقع هذه المنظومات لكي يأتي المستثمر ويقيم مشروعه عليها.
هل مازالت العقلية العقارية التقليدية القديمة تسيطر على المشهد الاستثماري في هذه المنظومات؟ ما رأيناه لم يكن حسب التطلعات على الاطلاق. خُيًّل لي في لحظة لو أن رواد اعمال شباب قاموا بالمهمة. لقدموا لهؤلاء المستثمرين أفكار مشاريع ودراسات أولية وعروض مغرية أفضل بكثير مما قدمه مسئولي هذه الجهات بالرغم من ادمان بعضهم على خدمات المكاتب الاستشارية خاصة الأجنبية في القيام بتخطيط أعمالهم وتجهيز عروضهم. ومن المفترض أن لديهم ما يمكن أن يقدموه – غير الأراضي الفضاء – اعتماداً على رؤى خاصة بهم تدعم تطور منظوماتهم الاقتصادية.
والتساؤل الذي كان يفرض نفسه طوال الرحلة: هل أتقنت هذه المنظومات الاستثمارية وغيرها كيفية جذب المستثمر الأجنبي؟
اكتمال الخريطة الاستثمارية قائمة على مهمتان نحتاجهما لكي يتواجد المستثمر الأجنبي في منظومتنا الاقتصادية وفي وقت قياسي.
المهمة الأولى:
الانجذاب وهي مسئولية الدولة التي عملت على بناءه بكل احترافية وابداع. انجذاب المستثمر الأجنبي هو نتيجة طبيعية لمدى جدية البيئة الاستثمارية للمملكة. خاصة في الحفاظ على مصالحه. وضمان توزيع الفوائد بدون قيود حركة على الأرباح. المستثمر الأجنبي تكون عينه – في المقام الأول – على بيئة الاستثمار ككيان متكامل بكل أدواته التي تبني الثقة نحو العمل وجني الأرباح. لذلك، المستثمر الأجنبي يهتم بعدة عوامل في الموقع الذي يريد أن يستثمر فيه. والمملكة تمتاز بهذه العوامل وتعيها جيداً لكي تكون تطبيق فعلي على ارض الواقع.
الاستقرار السياسي يعتبر أهم هذه العوامل وهذه مسألة مفروغ منها. أما المنظومة المالية المستقرة تعتبر ثاني أهم العوامل. المملكة في هذه المسألة تتمتع بمنظومة مالية متطورة جدا. وبسوق مالي متطور وقوي ومعدلات تضخم مسيطر عليها بكفاءة عالية مما يجعل من أسعار الفائدة مستقرة ومحفزة. لذلك تعتبر منظومة المملكة المالية الأفضل بلا منازع في المنطقة كلها. إضافة الى القدرة الاستيعابية للاقتصاد السعودي العالية جداً حيث ان كل العوامل المساندة والبنية التحتية متوفرة. هذا بجانب ان المملكة تتمتع بثروات طبيعية مهولة ومجتمع شاب ومتعلم. وتعتبر المملكة أكبر سوق في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وذات نوافذ عريضة على أسواق المنطقة. هذا كله يعني أن المملكة تتسم بما يعرف باقتصاد السوق الحر المحفز للاستثمار فيه.
وتأتي رؤية المملكة لتؤكد على مفهوم اقتصاد السوق الحر من خلال اتخاذ كل ما يتطلب تحت مظلة الإصلاحات الاقتصادية في هذا التوجه. مثل تهيئة التشريعات التي تضمن تطبيق الشفافية ومكافحة الفساد بكل أشكاله وتسهيل إجراءات تسجيل الشركات. فأذرعة الدولة المختلفة تعمل بجدية في خلق بيئة تستثير اعجاب المستثمر خاصة وزارت المالية والتجارة والاستثمار والعدل. ورأينا أخيرا وزارة الاقتصاد والتخطيط تعين قيادة جديدة لهيئة الإحصاء للعمل على إيجاد ما يتطلع له الجميع من معلومة ذات موثوقية، عريضة الأفق، غزيرة بالمؤشرات وعميقة التحليل.
المهمة الثانية:
الجذب بمعنى تحفيز المستثمر ليخطو الخطوة التالية – بعد أن أعجب بالمحيط الآمن – لكي يتواجد في سوق المملكة خاصة في مشاريع البنى التحتية والصناعة التحويلية والمساندة والخدمات. وهذه مسئولية المنظومات التي تحتضن مثل هذه الفرص الاستثمارية.
تحفيز المستثمر لا يحتاج الي عروض دعائية ولكن الى عروض مشاريع وفرص استثمارية بخطط أولية (قابلة للنشر) وذات إشارات قوية ومغرية. قائمة على عوامل الجذب الأهم للمستثمر مثل ابراز ماهي نوعية التراخيص والتسهيلات المقدمة، الميزات التنافسية للمشاريع و تكاليف الفرص البديلة (Competitive Advantage & Opportunity Cost) لصالحها. ونبذة عن عوائد الدخل والاستثمار (ROI & RRI) المتوقعة لهذه المشاريع.
إضافة، المستثمر يحتاج أن يعرف ماذا نتوقع منه مثل مسألة إيجاد الوظائف في مشروعه للمواطنين، وكم سيضخ من النقد داخل الاقتصاد الوطني. وما هو مستوى هدر الموارد المحلية المقبول مقابل المكاسب وما نوعية المعرفة المنقولة من طرفهم التي نتطلع لها. وما نوعية معالجة التلوث البيئي المتوقع والمسموح به في حال التصنيع …. الأسئلة كثيرة.
تحفيز المستثمر ربما يحتاج منا أن نراجع قدرات واتقان الجهات ذات الفرص الواعدة في جذب الاستثمارات. والزامهم بالتسويق المحترف للفرص الاستثمارية لديهم. الفرص الاستثمارية قد شخصتها الرؤية – في العموم – لتشكل الخريطة الاستثمارية للمملكة. وأجهزة الدولة ذات العلاقة قامت بمهمتها في بناء عامل الانجذاب على أكمل وجه. ولكن تبقى مسألة جذب المستثمر بحاجة الى عمل احترافي قائم على خطط تسويقية مدروسة جيداً. يراعي فيها بدقة كيفية التعامل مع “سيكولوجية” المستثمر وما هي المعلومات الأولية التي يحتاجها. وأيضا مُقدَّمة بواسطة محترفين في هذه المنظومات الاستثمارية الحُبلى بالفرص الرائعة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال