الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل رؤية المملكة 2030 التي ترتكز على ثلاثة ركائز مهمة وهي: اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح، برز دور القطاع العام الحيوي المتكامل مع دور القطاع الخاص في تحقيق تلك الرؤية من خلال العمل على استراتيجيات تساهم في دفع مسيرة التنمية، وتحقيق أهداف الرؤية بوتيرة عالية كتنويع مصادر الدخل وزيادة الإنتاجية. وفي ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المملكة لتحقيق أهداف الرؤية، تلعب إدارة الموارد البشرية دوراً محورياً كمحرك رئيسي لكل من القطاع العام والقطاع الخاص. ورغم أهمية الموارد البشرية ودورها في نجاح العمل في القطاعين العام والخاص، فإن هناك اختلافات بين القطاعين في إدارة الموارد البشرية من عدة جوانب تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات استقطاب الموظفين، والتعويضات، والتحفيز والإنتاجية والارتباط والأمان الوظيفي، مما تكون له انعكاسات على دوران العمل وبالتالي على استقرار واستمرارية العمالة والإنتاجية.
لا شك أن أهم الاختلافات بين القطاعين في إدارة الموارد البشرية يرتبط بـ “الملكية”، والتي تؤثر بدور كبير على دور الموارد البشرية المباشر في وضع الأهداف الاستراتيجية والسياسات والتوظيف. فكما نعلم تعود ملكية القطاع العام إلى الحكومة سواء بشكل كامل أو جزئي، بينما تعود ملكية القطاع الخاص إلى أفراد “ريادي أعمال”، أو “شركات عائلية”، أو “شركات مساهمة”. فبالتالي نجد تأثيراً واضحاً لطبيعة الملكية على دور القيادة في أي منظمة فيما يتعلق بوضع الأهداف الاستراتيجية والسياسات التي تستند على مبدا التكلفة والإيرادات “الربح والخسارة”. وترتكز الأهداف العامة للقطاع العام على خدمة المجتمع والتي تتمحور في العدل والشفافية والمسؤولية تجاه المجتمع بشكل عام؛ مما أوجد في القطاع العام نظاماً موحداً للتعويضات (الأجور والرواتب) والعلاوات وعمليات التوظيف، إلا انها وأوجد في القطاع الخاص أنظمة تختلف باختلاف أهداف المنظمة وألوياتها التي تتمحور حول زيادة الإيرادات والارباح.
واختلاف آخر ناتج من ثقافة وقيم العمل، ففي حين تعمل منشآت القطاع الخاص، خاصة الشركات الكبيرة، على تأسيس ثقافات وقيم تزيد من إنتاجية وولاء الموظف لها، فإن التركيز على ثقافة وقيم العمل تقل بدرجة كبيرة في القطاع العام لعدم وجود مرونة كافية في سياسات وإجراءات التوظيف، والبطء في إحداث أي تغيرات فيها. لذا نجد أن تلك القيم وثقافة بالقطاع العام تعود للأفراد؛ حيث يُكوِّن كل موظف قيم وثقافة شخصية تحكمها بيئة العمل الحكومي كإطار عام. أما القطاع الخاص تكون القيم والثقافات مبنية في الغالب على الرؤى والاستراتيجيات التي تهدف المنظمة إلى تحقيقها. وبالتالي يبدأ الأفراد مع مرور الوقت بترتيب أولوياتهم حسب تلك القيم الموجودة بالمنظمة التي يعملون لديها.
ويشكل قياس الأداء الوظيفي في القطاعين العام والخاص أبرز مثال لاختلافات إدارة الموارد البشرية بين القطاعين. ففي القطاع الخاص نجد أن أداء الأفراد مرتبط بإنتاجيتهم. فكلما زادت الإنتاجية زادت الأرباح والتي تكون مرتبطة بنظام مكافآت الموظفين بنهاية العام. أما بالنسبة للقطاع العام فلا يسهل ربط الأداء الوظيفي للموظف بنتيجة معينة. لذا تظل الحاجة ملحة لتطوير برامج مبتكرة لتحفيز الموظفين، مثل إيجاد برامج “مرنة” لنظام المكافآت، بحيث يكون لكل منظمة في القطاع العام نظام مكافآت يتناسب مع أهدافها وطبيعة نشاطها وعملها. فعندما يكون الهدف العام تحفيز العمل كمجموعات أو فرق عمل، يمكن أن يأتي نظام المكافآت مرتبطاً بنتائج ومخرجات تلك الفرق (نتائج العمل الجماعي). وعندما يكون الهدف العام زيادة الإنتاجية، يمكن ربط نظام المكافآت بالأفراد لزيادة الإنتاجية.
وبالنهاية. ويُتوقع أن يؤدي إيجاد مثل هذه المرونة في الأنظمة المتعلقة بالتحفيز إلى تقديم أفضل خدمة بأعلى جودة للمجتمع، وأداء وإنتاجية عالية للموظف.
ولعله من المناسب أن أشير في الختام إلى نظرية مهمة من نظريات التحفيز، وهي نظرية التوقع “Expectancy theory”، التي تركز على أن العمل الذي يقوم به الفرد ستتبعه نتائج معينة، والتي تكون مرتبطة برغبة الشخص بتلك النتائج. فإذا حاولنا أن نربط هذه النظرية بفكرة هذا المقال التي تتمحور حول التحفيز فإن ما يريده كل موظف في القطاع العام أو القطاع الخاص من العمل في ذلك القطاع يؤثر على السياسات التي تتبعها الموارد البشرية في القطاعين حيث إن الموظفين يرغبون في أمور مختلفة من عملهم، ففي القطاع العام يرغب الموظف في الغالب في الأمان والاستقرار الوظيفي، بينما موظف القطاع الخاص يرغب في الحصول على أجر أعلى، وسهولة في التنقل للحصل على فرص تحقق له أجر أعلى ومكانة وظيفية أفضل. فبالتالي فإن معرفة هذه الرغبات خصوصاً في القطاع الحكومي مفيدة للتأثير على التوجهات الاستراتيجية في إدارة الموارد البشرية.
وفي الختام، أرى أنه للوصول لأفضل الممارسات لإدارات الموارد البشرية في كل من القطاع العام او القطاع الحكومي لابد أن تكون هناك تشاركية وتكامل بين هذين القطاعين من خلال نقل الخبرة، وتوحيد الإجراءات بما يسهم في تقريب مزايا التوظيف وزيادة الارتباط بينهما، وتحسين الرضا الوظيفي لدى الموظفين في القطاعين على حد سواء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال