ثقافة المنشأة

كما أن لكل مجتمع ثقافة تتكون من المعارف والإنجازات الجماعية للمجتمع، ويعبر عنها من خلال العادات، السلوكيات، الفن، الموسيقى، أنواع الطعام، اللغة، والدين، حيث تخلق ثقافة المجتمع قيم ومعتقدات مشتركة، كذلك فإن ثقافة المنشأة مجموعة مشتركة من القيم والأهداف والسلوكيات والمواقف التي يلتزم بها العاملين وتعبر عن المنشأة. 

نظراً لأهميتها في عملية إدارة المنشآت وتحقيق الأهداف، حددت 87% من المنشآت في دراسة لمؤسسة Deloitte ثقافة المنشآة كأحد أهم التحديات التي يواجهونها. هذه الإحصائية تعبر عن واقع أن ثقافة المنشأة القوية ليس من السهل إنشاؤها، لكن من السهل التعرف عليها وتكون واضحة للجميع. فمفتاح نجاح أي منشأة ناجحة هو أن يكون لديها ثقافة تعتمد على مجموعة من المعتقدات القوية والمشتركة على نطاق واسع والتي تدعمها إستراتيجية العمل وهيكل المنشأة. فعندما تتمتع المنشأة بثقافة قوية يعرف الموظفون كيف تريد الإدارة منهم الاستجابة لأي موقف، ويعتقدون أن الاستجابة المتوقعة هي الاستجابة المناسبة، كما يعرفون أنهم سيكافأون على إظهار قيم المنشأة. ولا يختلف هذا الأمر سواء كانت المنشأة ضخمة ومتعددة الجنسيات، ويعمل بها موظفون حول العالم، أو كانت صغيرة يعمل بها عدة موظفون، فإن الموظفين يدركون هدفهم المشترك، ويتصرفون بالطرق التي أظهرتها الإدارة أو صاحب العمل بأنها الصحيحة من أجل تحقيق أهداف المنشأة النهائية من زيادة المبيعات أو رضا العملاء أو غيرها. 

ثقافة المنشأة مزيج بين شيئين، الثقافة المعلنة التي تبثها المنشأة علناً، والثقافة الفعلية والتي يعبر عنها بالطريقة التي يتصرف بها الأشخاص في المنشأة فعلياً، وكيف يتعاملون مع بعضهم البعض. في بعض الحالات تتوافق هاتان الثقافاتان مع بعضهما البعض، مما ينبئ عن وجود ثقافة قوية بالمنشأة، فالقادة والموظفون يفهمون ويعلنون قيم المنشأة المشتركة، وذلك بالطبع نتيجة عن تدريب مسبق، وقرارات متخذة على كل مستوى في المنشأة. في بعض المنشآت يكون هناك انفصام بين الثقافاتين المعلنة والفعلية، وذلك بسبب إما افتقاراً إلى الثقافة المعلنة من الأساس، أو بسبب عدم فهم الثقافة المعلنة أو دعمها وتعزيزها من قبل الموظفين أو المسؤولين عن الحفاظ على ثقافة المنشأة، وهنا يحدث ما يسمى بالثقافة الوضعية للمنشأة.

الثقافة القوية تتمتع بتحديد القيم الأساسية للمنشأة من اليوم الأول، ويتم تعزيزها دائماً مع افتتاح كل مكتب جديد أو فرع جديد، ويتم دعمها في حملات التسويق والاتصالات الداخلية، والحفاظ عليها من خلال مراقبة قسم الموارد البشرية.

أهمية الثقافة القوية تكمن في أنها عنصر مهم لاستمرارية النجاح على المدى الطويل، فالموظفون يفضلون المنشآت التي لديها ثقافة واضحة وقوية وتهتم بموظفيها عن المنشآت التي تعامل موظفيها بشكل سيئ ولا يوجد بها ثقافة توضح كيفية التعامل بين الموظفين بعضهم البعض، لأنه غالباً مع وجود ثقافة قوية يشعر الموظفون بسعادة أكبر، ويكونون أكثر تفاؤلاً وأكثر تعاوناً وانخراطاً في عملهم، فالمنشأة ذات الثقافة القوية تعترف بأن العاملين هم أهم الأصول التي تمتلكها المنشأة، وأن حماية الموظفين هي أفضل وسيلة لتحقيق النجاح المستمر. 

الموارد البشرية لها دور كبير في استمرارية الثقافة القوية، لذا في المقال القادم بمشيئة الله تعالى سألقي الضوء حول العناصر التي تجعلنا نحسن من ثقافة المنشأة وتجعلها قوية.