الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما دخلت الثورة المعلوماتية إلى كافة قطاعات اقتصاد الدولة وكافة مرافق المؤسسات الحكومية بعد عام 2000، بات التهديد الرقمي قائماً دون جدال.
فالبيانات الالكترونية لم تعدْ مُجرَّد ملفات سوفتوير لا وجوداً مادياً لها، بل أصبحت مستندات رسمية لها حجيتها في مجال الإثبات وفق النظام رقم 18/م لعام 1438 هــ. وبناءً عليه، فقد أبصر تطبيق “يسِّر” النور بغرض إجراء المعاملات الحكومية بشكل الكتروني.
ونتيجة هذا الواقع المتغيِّر، فقد بات التيسير والانفتاح الحكومي على المستندات الالكترونية واستبال كل ما هو ورقي روتيني بإلكتروني سريع إجراءً خاضعاً لضوابط أمنية تهدف إلى حماية الواقع الالكتروني الافتراضي بشكل عام.
ولكن قبل توضيح التجاذبات المالية والنظامية الخاصة بالأمن السيبراني في المملكة علينا تحديد معناه الدقيق.
لقد درج على إطلاق مصطلح “سايبر” “Cyber” على الفضاء الالكتروني؛ أي أنَّ السايبر يجمع معنى البيانات الالكترونية وشبكات الإنترنت وغيرها من الشبكات الالكترونية التي تتناقل تلك البيانات.
وهنا يتَّضح الفرق بين أمن البيانات والأمن السيبراني؛ فالأول يختص بالبيانات كالملفات والمستندات الالكترونية بذاتها فيما يجمع الأمن السيبراني أمن البيانات مع أمن الشبكات.
وفيما يخص الواقع المالي، فبمجرد حلول الوسائل الالكترونية السريعة محل الوسائل التقليدية، بات بإمكان الشركات ورجال الأعمال القيام بمراسلات وتواصل تجاري بعيد المدى بأسرع وقت وأقل تكلفة ممكنة.
وكان للاعتراف بحجية المستند الالكتروني خاضعاً للاعتراف أولاً بالتوقيع الالكتروني؛ وهو عبارة عن عملية تأكد من هوية الشخص بطرق الكترونية مثل البصمة البيومترية التي يتم تسجيلها عبر جهاز يقوم بتحويلها إلى بيان الكتروني قابل للحفظ على الكمبيوتر، أو عبر التشفير القادر على التأكد من هوية الشخص من مجموعة من البيانات السرية الواجب على الشخص توفيرها.
فماذا يعني توفير الأمن السيبراني في الجانب المالي؟
يعني ذلك مبدئياً قدرة رجال الأعمال السعوديين على حفظ بياناتهم كاملة بالصيغة الالكترونية والاستغناء جزئياً أو كلياً عن الأرشفة الورقية المكلفة والمجهدة من جهة، وقدرتهم على إجراء مراسلاتهم التجارية وإبرام صفقاتهم دون الحاجة لعناء وتكاليف السفر نظراً لحجية العقود الالكترونية من جهة أخرى.
هذا من الناحية المبدئية، أمَّا من الناحية العملية الأكثر عمقاً، فإنَّ قطاع المال والأعمال السعودي سيكون قادراً على تشكيل شبكة تواصل تجارية مشفرة تكفل انتقال البيانات بكل أمان بين التجار.
وهذا لا يعني إضافة المزيد من الأمان على شبكة الإنترنت الدولية المفتوحة، بل على الشبكات الخاصة بالأعمال التجارية مثل الشبكات المصرفية.
ويمكن أن يمتد نطاق تطبيق هذا النوع من الشبكات التجارية إلى شبكات الوثائق التجارية مثل سند الشحن البحري مثلاً، فالاعتماد على السند الورقي يجعل التاجر السعودي المستورد رهينة الوقت حتى تصل نسخة المرسل إليه.
هذه الفكرة ستكفل للحركة التجارية دوراناً مضاعفاً عدة مرات لرأس المال، الأمر الذي سيمنح الاقتصاد السعودي سيولة مضاعفة يحتاجها في الأعوام القادمة لتنفيذ رؤية 2030 التنموية الطموحة.
أمَّا من جانب الأنظمة، فماذا يعني الأمن السيبراني؟
يعني ببساطة قدرة النظام على ضبط الممارسات الالكترونية المشروعة ضمن إجراءات معيَّنة من جهة، وتجريم الممارسات غير المشروعة نظراً لأثرها الطاعن في ثقة الجمهور في التعاملات الالكترونية وتأييد هذا التجريم بالعقوبة الرادعة بالنظر لخطورة الفعل من جهة أخرى.
ولكن الواقع العملي يقول إنَّه على الرغم من الحرص على الأمن السيبراني عبر الأنظمة والعقوبات إلاَّ أنَّ ثقة جمهور التجار بالمستندات الالكترونية لم تصل إلى المستوى المأمول، ويبدو أنَّ السبب يكمن في أنَّ تطبيق النظام على وقائع التجارة ليس بمستوى صياغة النص النظامي.
أي أنَّ نسبة المنازعات التي تنشأ بسبب مستندات الكترونية لا تقارن بالنسبة الخاصة بالمنازعات الناشئة عن المستندات الورقية؛ وهذا ليس مؤشر على عدم نشوء المنازعات لدى إجراء التعاملات الإلكترونية، بل على عدم انتشار هذه التعاملات بين التجار فيما يخص الصفقات التجارية ذات القيم المرتفعة.
وإنَّما يقتصر استخدام التعاملات الالكترونية على عمليات البيع بالتجزئة البسيطة عبر تطبيقات الهواتف الذكية وغيرها من التعاملات التي لا يُمكن بناء اقتصاد الأعمال اعتماداً عليها فقط.
ولذلك، فلا يبدو لي قدرة التعاملات الالكترونية على الحلول محل التقليدية في المملكة في الوقت الحالي، فهذا الأمر يحتاج إلى مزيد من العمل في قطاع الأمن السيبراني ليس بشكل فردي أو جماعي من الناحية النظرية، بل بما يشمل جميع الفعاليات التجارية القادرة على تطبيق الأمن السيبراني في الواقع، الأمر الوحيد الذي سيكفل تحويل مجهودات الحماية من الهجمات السيبرانية إلى مكاسب مالية واقتصادية في المستقبل إن شاء الله..
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال