الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما يسألونك: من أنت؟ تستطيع أن تبرز وثيقة أو جواز سفر يحتوي على معلوماتك، أما إذا سألوا شعبًا: من أنت؟ فإنه سيقدم علماءه وكتابه وفنانيه وموسيقييه وسياسييه وقادته العسكريين كوثائق – الشاعر الداغستاني رسول حمزتوف .
منذ أن صدر الأمر الملكي منتصف عام 2018 بفصل الثقافة عن الإعلام، وإنشاء وزارة للثقافة مستقلة يرأسها صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وسمو الوزير ومنسوبو الوزارة يعملون على قدم وساق لإعادة هيكلة منظومة القطاع الثقافي وتشكيل أدواته الجديدة التي تضمن تنفيذ رؤية المملكة 2030، بهدف تنشيط صناعة الثقافة وجعلها رافداً من روافد الاقتصاد الوطني، وأن تصبح نمط حياة وتعزز مكانة المملكة دولياً.
ولقد درست وزارة الثقافة الواقع الثقافي السعودي بكل أبعاده التشريعية والتنفيذية والمالية، التي خلصت إلى تصوّر جديد حددت فيه 16 قطاعاً ثقافياً رئيسياً ينشط فيها المبدع في المملكة، ويعبر هذا التحديد عن المنهج العملي الفعّال الذي ستعمل عليه الوزارة، والذي يختلف عن أي محاولات سابقة لتطوير الثقافة السعودية، فللمرة الأولى يتم فيها هذا التقسيم المُركّز للنشاط الثقافي السعودي، والذي سمح بوضع خريطة النشاط الثقافي أمام مجهر الوزارة بحيث تولي كل قطاع حقه من الاهتمام والتطوير ولا يتم التركيز على أحدها على حساب البقية، وبفضل هذا التقسيم تم إدراج قطاعات ثقافية كانت مُهملة في السابق.
حقيقةً المتابع للمشهد الثقافي والفعاليات ومواسم المملكة وبين الفعاليات الثقافية المختلفة سيجد تداخل كبير بين مهام هيئة الترفيه والتي تفتقر لهيكل حوكمة للقطاع ومنظومة إجراءات وبين مهام وزارة الثقافة والتي تعد الأشمل من خلال عمل مؤسسي ممنهج، لذلك أقترح تحويل مهام هيئة الترفيه إلى وزارة الثقافة مما يخدم حوكمة القطاع ومأسسته بشكل منظم من خلال تصنيف معايير القطاعات المختلفة حسب التصنيفات العالمية مع مراعاة البعد الثقافي المحلي تحت منظومة العمل الثقافي المتكامل والذي يخدم كافة القطاعات الرئيسية التي تستهدفها الوزارة ويخدم الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص مما يفتح المجال للمنافسة الحقيقة بعيداً عن العشوائية وتضارب المصالح.
ويمكننا القيام بعمل يجمع بين الثقافة والفن والاقتصاد في اتجاه واحد إذا كان بالفعل أن المقصود هو العمل الاقتصادي من وراء تفعيل الفعاليات الثقافية والفنية. فإذا قلنا إنه من المهم دفع العجلة الثقافية الفنية وتنميتها اقتصاديا فإن من المهم التفكير في تفعيل الجانب الاقتصادي لجمعيات الثقافة والفنون لتعمل عملها، أما إن كان الهدف فعلا ثقافيا وفنيا خارج إطار التفكير الاقتصادي فلِمَ اقتصر الأمر على المدن الكبرى دون الأطراف؟ الأمر لا يعدو كونه دعما من جهة واقتصادا من جهة أخرى، وفي الحالتين من المهم الالتفات إلى مدن الأطراف.
من التصورات التي يمكن العمل عليها: التصور التجاري وتفعيل اقتصاديات الثقافة والفنون إذا صح التعبير والتصور الفني الخالص الذي لا يخضع للرؤية التجارية بحيث يبقى الدعم قائما وهو الأقل بالطبع، وقد لا يكون مكلفا كالسياق الفني أو الثقافي التجاري، ولذلك يصبح من السهل التعامل معه بحيث يرفد الشيء بعضه الآخر، بحيث يكون لدينا فن خالص وفن تجاري يرضي كافة أفراد المجتمع بحيث لا يتغول الجانب الاقتصادي على الفن والثقافة، فيتحول إلى اللافن وإلى اللاثقافة، والشركات والمؤسسات التجارية يمكن أن تكون رافدا للثقافة والفن في السعودية حتى ولو عاد عليها اقتصاديا إلا أنه من المهم تخصيص جانب ونسبة محددة للفن الخالص، أي الفن الذي لا يخضع للمجال التجاري البحت، ولعل البنوك السعودية تكون رافداً من روافد الثقافة، بحيث تخصص ما نسبته واحد بالمئة مثلا من مدخولها إلى دعم جمعيات الثقافة والفنون حتى تستطيع لاحقا القيام بنفسها وتعمل لذاتها فنياً وثقافياً وأيضاً من الناحية الاقتصادية.
أيضا يمكن العمل على التعاقد مع مؤسسات تجارية في كل منطقة سعودية تتولى العمل على تفعيل الجانب الثقافي والفني في تلك المنطقة أو تلك، ويكون العائد إليها اقتصاديا مع الاشتراط عليها تفعيل حتى الفن غير الربحي، وتكون تحت إشراف جمعيات الثقافة والفنون بوصفها مؤسسات رسمية تحتاج المؤسسات التجارية إلى العمل تحت مظلتها، وعلى ذلك يذهب عبء الجانب الاقتصادي عن جمعيات الثقافة والفنون لتقديم أعمال فنية وثقافية معتبرة على مدى العام كاملا وتحويل الفنون والثقافة إلى جانب ترفيهي واقتصادي كبير.
إن اقتصاديات الثقافة لها دور مهم من خلال المساهمة في عملية التنمية بما فيها إيجاد فرص عمل وتقليص مستوى البطالة من خلال السياحة الثقافية المتنوّعة أو عبر السينما أو المسرح أو مراكز الترفيه الثقافية المختلفة أو المعارض الفنية والمؤتمرات الثقافية او الفنون البصرية وكل ما له علاقة بالفن والأدب، إن من المهم، بعد الاهتمام في الفترة الأخيرة لتعميم الثقافة والفن، العمل على تفعيل اقتصاديات الثقافة واقتصاديات الفن، بحيث يشمل هذا الجانب غالب المدن السعودية، وأيضا تفعيل الثقافة المحلية فنيا، وهي الثقافة التي يوجد فيها الكثير مما يمكن أن يتم العمل عليه، فقط إذا أعطينا ثقافتنا الجانب الأكبر في تحويلها إلى عملية ثقافية وفنية وترفيهية في نفس الوقت. المهم أن تكون لدينا رؤية شاملة لكل مناطق السعودية.
أن الثقافة والفكر والتنوير تقدم كلها تحت شعار “النفع العام”، أو بالعامية (سبيل) أغلبنا لم يعتاد أن أمسية شاعر أو مناقشة رواية بإمكانها أن تتحول لعمل إستثماري أو أن تدر أموالاً على صاحبها، ولو كنا كذلك لكان اقتصاد الثقافة ينافس اقتصاد البترول والغاز، ولما رأينا مثقفاً عربيا يعيش على هامش الحياة ويقتات الفتات فمن المعروف أن العمل الثقافي “ما يأكل عيش” لذلك نحن لا نريد وظائف ثقافية مؤقتة تتكدس بها وزارة الثقافة، فالوزارة يمكنها دعم منح ثقافية وفق ضوابط شفافة تصل للأجدر وتقيس المنتج بطريقة موضوعية ومن خلال العائد على الإستثمار والمجتمع والثقافة فنحن لا نريد بطالة ثقافية ولا تستر ثقافي نحن نبحث عن عمل ثقافي تنموي مستدام .
الثقافة اليوم تصنع مجالًا كبيرًا للاستثمار، وبيئة العمل الثقافية سواء الاستثمار البشري بالتأهيل والتطوير، أو الاستثمار الاقتصادي الذي يأتي تبعًا لذلك، فكون برنامج الابتعاث الثقافي سيكون موجهًا بالدرجة الأولى إلى تخصص الموسيقى والمسرح وصناعة الأفلام والفنون البصرية وفنون الطهي؛ فمعنى ذلك هو تأهيل وتطوير الشباب في تخصصات مهنية ذات عائد مادي كبير عليهم وعلى البلاد. فمثلًا، صناعة الأفلام نجد أنها ستفتح مجالات كبيرة لكتّاب السيناريو، والمخرجين، وفنيي التصوير والصوتيات، والمنتجين، والديكور، والخدع السينمائية …
هذه مجالات ذات بُعد عميق مع المستقبل، وآثارها ستمتد على جودة المنتج، الابتعاث الثقافي هو مشروع من نوع فاخر جدًا، فبقدر ما هو نقل خبرة الآخرين إلينا فهو أيضًا سيعيد رسم الخريطة الثقافية للمملكة التي تعتني بالتنوع الثقافي في مختلف مجالات الثقافة والفكر والفنون، وذلك حتى نستطيع تقديم جملة متناغمة من المنتج الثقافي الجميل والمفيد والمثمر، الذي يمثل كل الأطياف والمجالات، ويجعل المهتم بالشأن الثقافي السعودي أمام خيارات متنوعة ومبهرة.
التنمية الثقافية جزءا من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال الإسهام المباشر وغير المباشر للقطاعات والأنشطة الثقافية في الحركية الاقتصادية، وفي الناتج المحلي والوطني والدي أصبح يعرف بـ ” الصناعات الإبداعية” والحقيقة دينا وفرة في المحتوى الثقافي الخام وعجز في الصناعة التجارية، وهذه مسألة تحتاج إلى ورشة عمل وطنية كبرى بقيادة “وزارة الثقافة” فالأندية الأدبية اليوم لافائدة تجارية منها لأنها تدار بعقول أدباء لا تجار، وينسحب ذلك على جمعيات الثقافة والفنون ودور الترجمة والنشر، أما الصناعة السينمائية الوطنية فهي في حالة سبات.
ختاماً؛ بلا شك أن الوسط الثقافي السعودي اليوم بحاجة إلى مشروع صناعي ينقل المحتوى الثقافي الوطني للعالمية ويدر أرباحاً تشجع رؤوس الأموال على الاستثمار فيه، والأفكار في هذا الباب كثيرة لكنها لدى التجار لا الأدباء والمثقفين، وكما أردد دائماً “الممارس لمهنته لا يُنظم”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال