الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كان موسى بن نصير القائد المسلم العظيم الذي لم يهزم له جيش (أعرج) وكان مثله الأحنف بن قيس، أما ربعي بن عامر كان من الصحابة ملتصق الرجلين لكن كان يملك طلاقة لسان وحسن بيان أرسله سعد بن أبي وقاص إلى قائد الفرس رستم وكان اللقاء العظيم الذي خلده التاريخ وتحدث فيه ربعي بكلمات ساطعة “الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام…” الإمام الترمذي صاحب السنن كان (أعمى)، والأديب مصطفى الرافعي صاحب الأدب الرفيع كان (أصم)، الرحالة ماجلان الذي لم يهدأ له بال أو يغلق له جفن حتى اكتشف كروية الأرض كان (أعرج) وهيلين كيلر نصبت نفسها صانعة للأمل في نفوس الناس وكانت لاترى ولا تسمع ولا تتكلم. وحديثاً عاصرنا شيخنا الجليل عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه الذي فقد بصره في طفولته لكن الله أوقد بصيرته وأفاض عليه العلم الغزير. عبر الشاعر محمد الفوزان عن الإعاقة وعرفها كما لم يعرفها متخصص أو يدركها خبير وقال:
ليس المعاق الذي شلت جوارحه ولا الــذي قـــدرا هـدتــه أسـقــام..
بـل المعـاق الـذي شانـت فعائـلـه فلن يضيـر إذا فـي الجسـم إيـلام..
قد ساد قوم وقد شلـت جوارحهـم وســاد بالفـكـر والتألـيـف أقــوام..
فكم كفيف لـه فـي النـاس منزلـة ومبـصـر جهـلـه يـــحلله إظـــلام..
فكـن لغيـرك نــوراً يستـضـاء بــه تعـطـي الضـيـاء ولا تقـعـدك آلام.
والتاريخ القديم والحديث يزخر بنماذج انسانية فقدت أجسادها جزء من أجزائها ولكن امتلأت قلوبها بالعزيمة والاصرار. وبعد أن فرض المعاقون أنفسهم على العالم وأثبتوا أنهم قادرون على قهر ما يعوقهم فرضوا علينا تغيير الوصف من معاقين إلى ذوي احتياجات خاصة. صاحب الاحتياج الخاص يتمتع بقدرة كبيرة على التحدي، الله سبحانه وتعالى عوضه بتلك الروح عما فقده الجسد، تتولد لدىه رغبة كبيرة في اثبات الذات، يكره نظرات الشفقة ويسعد بنظرات التقدير وتتضاعف قدراته بكلمات التحفيز ويحقق انجازات كبيرة عندما يثق الناس في قدراته ويحملونه المسؤولية، لولا هذه الروح لانغلق على نفسه حتى الموت، والله عوضهم أيضاً بأهل وأصحاب قدموا لهم الدعم والمساندة منذ نعومة أظفارهم فكسبوا الثقة وسرت في أجسادهم عواطف نبيلة متبادلة مع أحبابهم. وعندما فتحوا أمامهم أبواب تحصيل العلم استثمروا الفرصة ونفذوا منها ليكون لهم العلم ظهيراً وسنداً وشفيعاً لهم في الحصول على فرص عمل تناسبهم وتمكنهم من تحمل مسؤولياتهم.
في شركاتنا نحن لم نكتشف هؤلاء حتى الآن، وكثيرون في مؤسساتنا يتعاملون معهم بشفقة أو رغبة في المساعدة أو التزاماً بتنفيذ أوامر وتعليمات مؤسسات رسمية أو استفادة من مزايا مادية يحصلون عليها بتوظيف هؤلاء. ذوي الاحتياجات الخاصة في مؤسساتنا بحاجة ماسة إلى منظومة ادارة مختلفة ومبدعة، وإذا كان الموظف العادي يعاني من نقاط ضعف تدعمه الادارة المحترفة في علاجها، الأمر نفسه ينطبق على المعاق أو صاحب الاحتياج الخاص، لكل انسان نقاط قوة وتميز ونخسر بكل تؤكيد إذا لم نكتشفها في المعاق، تصور تكليفه بإداء عمل يتفادى طبيعة اعاقته فقط هو تصور قصير النظر، المفترض هو تكليفه بعمل يتوافق مع نقاط تميزه وقوته، وهذا يتطلب بذل مزيد من الجهد في استكشافه، يجب أن يحصل على حقه في الترقية، وإذا كان المعاقون يوما قادوا الجيوش فلن يكونوا عاجزين عن إدارة مؤسسات، هو أيضاً يستحق الانخراط في برامج تدريب وتطوير مستمر، بل ويمكن أن يكون ملهماً لزملائه بسرد تجاربه وقصصه وطموحاته. إذا خذلنا الأصحاء ربما نجد ضالتنا في هؤلاء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال