الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُحاوِل أحياناً بعض المُتعاقِدِين على البيع التهرُّب من التزاماتهم لأسبابٍ عديدةٍ؛ منها أن يكون محل البيع –سواءً أكان عقاراً أو حصةً في شركة – قد ارتفع أو انخفض ثمنه من تاريخ التعاقد على البيع حتى تاريخ تنفيذ هذا التعاقد.
كما يمكن أن يكون السبب هو عدم جدارة الأشخاص القائمين بالتعامل؛ فقد يكونون غير جَديِّين، أو أنَّ مخطَّطاً مالياً معيناً كان يحتاج إلى الشيء المبيع، فيقومون بالشراء ثم تطرأ ظروف جديدة تُغيُّر من الظروف السابقة فتجعلهم ينكلون عن الشراء.
ويمكن أن يكون السبب وراء هذا النكول عن عقد البيع والشراء هو الاحتيال بكلِّ بساطةٍ مهما كانت صوره؛ فقد يَحتالُ المشتري على البائع فيُوهِمُهُ أنَّه سيُسَلِّمُه ثمن الشيء المبيع في وقت تنفيذ العقد، في حين تكون الحقيقة أنَّ هذا المشتري لا يَملِك كامل الثمن، ويُحاول أن يَحتالَ على المالك حتى يضطرَّ البائع إلى البيع بعد أن يَرتَبِط بعقدٍ ينالُ من سمعة المبيع كالعقار أو الشركة مثلاً.
وفي المقابل قد يكون البائع مُحتالاً، فيحاول تحصيل مبلغ الشيء المبيع دون أن ينقل الملكية، أو ينقلها بعد أن يُوهِمَ المشتري بضياع حقِّه؛ فيسحب منه المزيد من الأموال احتيالاً.
وهذه الصورة إن كان البيع فيها على حصة شركة تجارية، فإنَّ المنازعة تكون في غاية الحساسية على قيمة الشركة السوقية وقدرتها على الاستمرار، وسمعتها ومركزها المالي أمام البنوك أو شركات التمويل التي سبق وأن قدَّمت لها السيولة بناءً على هذا المركز.
ولكن الصورة الأكثر صعوبةً على الحل في منازعات البيع هي حالة إنكار أحد الطرفين في الدعوى لصفة الطرف الآخر في الملكيَّة، فقد يكون البائع شخصاً غير المالك المسجل على الورق الرسمي، ولكنه المالك فعلاً بموجب أدلَّة تُثبت عكس الثابت رسمياً.
وهذا الأمر مُنتَشِر في الأوساط التجارية، وذلك بغرض إخفاء التجار أملاكهم لأسبابٍ متنوعةٍ؛ أكثرها شهرةً هي التهرُّب الضريبي أو الخوف من الحجز عليها من خصوم دائنين متربِّصين.
وقد شكَّلت حالة نفي صفة الملكيَّة في البائع منازعة شاقَّة وطويلة أمام المحكمة التجاريَّة بجدَّة الدائرة الثالثة؛ حيث ادَّعى شخص ببيع حصَّة من شركة، وأنَّه قد تبقى له من ثمنها مبلغ يتجاوز 60 مليون ريال على المشتري، وكان هذا المشتري هو شركة أخرى اشترت هذه الحصَّة، وأنَّها لم تُسلِّمه الثمن.
وبعد منازعة قانونيَّة شائكة حاولت خلالها الشركة المشترية تجريب كافَّة الوسائل لدفع الدعوى عنها… من زعم التعامل بالريال حتى يظهر المبلغ الذي سبق وأن دفعته كافياً في حين كان التعامل بالدولار؛ فكانت في الحقيقة لم تدفعْ سوى قسم بسيط من الثمن، إلى غير ذلك من الدفوع التي أظهرت سوء نية الشركة بشكلٍ واضحٍ.
وقد انتهت هذه الشركة المدعى عليها بالشراء إلى أنَّ المدعي يزعم صفة المالك البائع، في حين أنَّه غير ذي صفة؛ لأنَّه ليس المالك الرسمي في سجلاَّت الشركة التي تمَّ بيع حصة من رأسمالها.
وبالفعل، فإنَّ المحكمة التجاريَّة بجدَّة في حكمها الأول رفضت دعوى المدَّعي البائع نظراً لانعدام صفته في الدعوى كبائعٍ، ولكنَّ المدعي استأنف الحكم وتبيَّن لمحكمة الاستئناف وجود وجه للطعن، فقامت بفسخ حكم محكمة جدَّة وأعادت الدعوى إليها لإعادة النظر فيها من جديد.
وعندما أعادت الدائرة التجاريَّة الثالثة لمحكمة جدَّة النظر في الدعوى برقم 3315 لعام 1438 هـ، تبيَّن لها أنَّ من بين الأدلَّة التي ساقها المدَّعي بالملكيَّة في الشركة هو رسالة نصيَّة على الجوال أثبتت ملكيَّة المدَّعي الفعلية من حيث مغزاها!
ولم يجد وكيل الشركة المدَّعى عليها بالشراء إلاَّ الاعتراف بصحَّة الرسالة النصيَّة؛ ونتيجةً لذلك، فقد وجدت المحكمة عندما أعادت النظر في الأدلَّة بتأنٍّ، أنَّ كلا طرفي الدعوى ذوي صفة، ورأت صحَّة دعوى المدَّعي بالبيع ووجوب أن تقوم الشركة المشترية بدفع مبلغ 60 مليون ريال ثمناً لعمليَّة البيع هذه!!
وبالتالي، يمكننا استنتاج مجموعة من المبادئ من استقراء حيثيَّات هذه الدعوى التجاريَّة، وهي أنَّ:
1- يجب أن تشمل مرونة أصول المحاكمات الشرعيَّة أبسط المراسلات.
2- على المحكمة التجاريَّة النظر فيما وراء الأدلَّة مهما ظهرت تافهة؛ نظراً لوجود تعاملاتٍ مخفيَّةٍ بين التجار في معظم الأحيان.
3- لا يجب أن يكون الاستناد على الوثائق الرسميَّة في الدعاوى التجاريَّة سوى مرحلة أولى، قبل التعمُّق في حقيقتها والتثبُّت من كونها فعليَّة وليست صوريَّة.
4- التعاملات على حصص الشركات قد تبلغ قيماً مرتفعةً، بما يوجب وجود آليَّةِ تسجيلٍ مرنةٍ لتعاملات البيع والشراء خاصةً؛ وذلك بغرض الحفاظ على موثوقيَّة هذه التعاملات.
5- عدم سلامة النيَّة في التعاملات على حصص الشركات التجاريَّة يطعن في الصميم بمجرى التجارة التي تقوم أساساً على الثقة.
6- الثقة الواجب وجودها بين التجار يجب أن تَسمَحَ للمحكمة بالاعتماد على أيَّة أدلَّة ذات مغزى، وإن كانت هذه الأدلَّة تُخالِف الأوراق الرسميَّة الظاهرة.
7- تحصين المعاملات على حصص الشركات بأصول تعاملات أكثر انضباطاً وتنظيماً، هو من الأمور الضروريَّة قبل الحديث عن جذب الاستثمار الأجنبي في المملكة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال