الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إنّ التطبيقات الصناعية للهيدروجين قديمة جدًا: فقد تم اختراع أول سيارة تعمل بالهيدروجين عام 1807، بينما بدأ التخليق الصناعي لهذا الغاز عام 1888، وفي سبعينات القرن الماضي تم اكتشاف أحدث تقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يعتبر مصدر طاقة نظيف وخالي من الانبعاثات.
ومع فشل بعض الدعوات المتحمسة لاستخدام الهيدروجين الأخضر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وبدايات الألفية الجديدة، اتضح أنّ التفاؤل الأخير لاستخدام العنصرالأكثر وفرة في الكون مختلف عما سبق، حيث جاء أخيراً عصر استخدام الهيدروجين باعتباره المُنقذ المحتمل للبشرية.
فقد أكد وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان هذا التفاؤل في إحدى جلسات منتدى دافوس، حيث كشف أن المملكة تتبنى رؤية في أن يعتمد مشروع “مدينة نيوم” بشكل كامل على مصادر الطاقة المتجددة مع تبني استخدام سيارات الهيدروجين في المدينة، وهذه الخطة تعتبر جزءا محورياً ضمن رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030.
وتوضح الأسباب الثلاثة التالية سبب هذا التفاؤل بالهيدروجين الأخضر:
1-انخفاض أسعار الطاقة الكهربائية النظيفة بدون انبعاثات. مع وجود الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أو في المناطق الغنية بالشمس، والتي يعد توليد الكهرباء فيها أرخص بكثير من الكهرباء القائمة على الوقود الأحفوري، تقترب أسعار الهيدروجين الأخضر الناتج عن التحليل الكهربائي بقدر كبير من أسعار الهيدروجين الرمادي الذي يتم إنتاجه باستخدام الوقود الهيدروكربوني، حيث لا يمثل النوع الأخير من الهيدروجين تحسين للوقود التقليدية فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
2- التعامل مع قضية التغير المناخي ليس اختيارياً بل أصبح أمراً حتمياً. نحتاج إلى حلول ونحتاجها بسرعة! الشعوب وخاصة الشباب والمستثمرون يتصادمون مع الحكومات والشركات في مكافحة التغير المناخي. إن العديد من الشركات لديها أهداف للقضاء على الانبعاثات الكربونية ولكن لن يؤدي التوسع في توليد الطاقة المتجددة وحدها لتحقيق ذلك. إنّ الشمس لا تظهر ليلا، وإنتاج الطاقة من الرياح مُتقلب بطبيعته. لذلك يُمكن للهيدروجين الأخضر زيادة نسبة مساهمة الطاقة المتجددة، حيث يُمكن تخزينه لفترات أطول، ويمكن نقله لأماكن لا يوجد بها إمكانية توليد طاقة متجددة، كما يُمكن لباقة متنوعة من القطاعات الصناعية والتطبيقات استخدامه.
3- يمكن للهيدروجين القضاء على الانبعاثات الكربونية في العديد من القطاعات بصورة أكبر من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى. إن إنتاج الطاقة في الوقت الحالي يساهم بـ 40٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالمياً، لكن هذا الرقم سينخفض مع استمرار نمو وانتشار الطاقة المتجددة. أما القطاعات الأخرى مجتمعة مثل الصناعة والنقل، فتساهم بنسبة 55٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، وتستخدم نسبة أقل بكثير من مصادر الطاقة المتجددة مقارنة بمحطات الطاقة لأن التطبيقات المباشرة للرياح والطاقة الشمسية محدودة. أما الهيدروجين الأخضر والمنتجات الأخرى المشتقة منه توفر إمكانات هائلة للتخلص من الانبعاثات الكربونية في هذه القطاعات.
وقبل أن نتحدث عن عقبات استخدام الهيدروجين الأخضر، سأشرح بسرعة كيف يعمل.
تقوم الكهرباء الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة بتغذية المحلل الكهربي الذي يعمل بتكنولوجيا غشاء التبادل البروتوني والذي يقوم بدوره بتحليل الماء إلى هيدروجين (H2) وأكسجين. ويمكن تخزين الهيدروجين الناتج ونقله بسهولة واستخدامه في العديد من القطاعات، حيث يستخدم في العمليات الصناعية مثل صناعة الصلب، كما يمكن تحويله إلى غاز النشادر لإنتاج الأسمدة، أو لإنتاج وقود صناعي (أخضر) مثل وقود e-kerosene والذي يمكن أن يكون وقوداً للسيارات والشاحنات والحافلات والسفن، ويمزج مع الغاز الطبيعي لتشغيل البنية التحتية القائمة بعد ادخال بعض التعديلات عليها.
وبالإضافة للكهرباء، لا يتطلب التحليل الكهربائي سوى كميات قليلة نسبياً من المياه، خاصة للاستخدامات والتطبيقات الصناعية: فإنتاج 1 كيلو جرام من الهيدروجين يحتاج إلى 9 كيلوجرامات من المياه، بينما يصل محتوى الطاقة في 1 كيلوجرام من الهيدروجين إلى 39.4 كيلو وات/الساعة. إنّ ذلك يجعل من “حل الجزيرة المنعزلة” أمراً مجدياً من كافة النواحي. تخيل معي جزيرة أو منطقة منعزلة بها شمس ورياح ومياه وتحصل على الطاقة على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع بدون انبعاثات ومن خلال مصادر الطاقة المتجددة بالإضافة لجهاز التحليل الكهربائي ومحرك صناعي يحرق الهيدروجين ولا ينتج عنه أي تلوث.
ولكن طالما أنّ الأمر كذلك، وأنّ الهيدروجين الصديق للبيئة يمثل مصدراً رائعاً للطاقة، فلماذا لا يستخدم في كل مكان حول العالم؟
1- مكلّف: لقد ذكرت من قبل أنّه يمكن الاقتراب من إنتاج الهيدروجين الرمادي (هيدروجين ينتج عنه انبعاثات)، إلا أنه في معظم وليس كل الحالات، مازال هناك فجوة تفصلك عن تحقيق هذا الهدف. هذه الفجوة قد تكون مقبولة في وحدات الإنتاج التجريبية أو لإثبات هذا المفهوم علمياً. ولكن إذا كنت تريد توسيع استخدامات الهيدروجين لتشمل الأغراض الصناعية، فإنّ هذه الفجوة ستزداد اتساعاً. إننا في حاجة لبذل المزيد من الجهد للوصول للمشروع الملائم لنا في هذا المجال.
2- يتطلب تغييرات جذرية: هناك حاجة لتحقيق أكبر قدر من التعاون في القطاعات الصناعية التي تتضمن معوقات كبيرة تحول دون الاعتماد على الهيدروجين. يجب أيضاً على منتجي الطاقة أن يتعاونوا مع مالكي أساطيل المركبات، كما يجب على منتجي الهيدروجين الرمادي إيجاد بديل لهذا النوع من الهيدروجين. إنّ ظهور الهيدروجين الأخضر (الصديق للبيئة) يضع العديد من الأطراف المعنية بقضايا الطاقة في مأزق، حيث يجب على هذه الأطراف أنّ تقرر الدور الذي ترغب في لعبه، وعواقب ذلك الدور على أعمالهم، مع تحديد الأطراف التي سيتعاونون معهم. كل هذه الموضوعات الشائكة يجب مناقشتها بعمق.
3- يحتاج لتشجيع أطراف حكومية متعددة: هناك العديد من الحكومات ووحدات الإدارة المحلية التي تشجع استخدام الهيدروجين الأخضر، إلا أننا مازلنا في حاجة لمزيد من الجهود في هذا الاتجاه. إنّ على صنّاع القرار السياسي الإسراع في ادخال التغيرات المطلوبة على الأطر التشريعية والتنظيمية ودعم أهداف الحد من الانبعاثات الكربونية من خلال فرض ضريبة كبيرة على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أو رفع أسعار شهادات ثاني أكسيد الكربون.
وحتى مع وجود هذه المعوقات، إلا أن أحدث التوقعات تؤكد أنّ التطلعات لاستخدام الهيدروجين الأخضر لم تعد أمراً افتراضياً أو بعيد المنال. فطبقاً للتقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، من المتوقع أن يستهلك إنتاج الهيدروجين 16% من اجمالي الإنتاج العالمي من الكهرباء بحلول عام 2050، مع قيامه بتوفير 8% من امدادات الطاقة على المستوى العالمي.
إنّ سيمنس في طليعة الشركات والمؤسسات العالمية الداعمة لهذا التوجه، حيث يعمل نظام Silyzer 200 للتحليل الكهربائي من سيمنس، والقائم على تكنولوجيا غشاء التبادل البروتوني PEM في 5 منشآت في كل من ألمانيا والنمسا والسويد، وسيتم التشغيل التجريبي له قريباً في دبي.
إنّ شراكتنا في دبي وخطة استخدام الهيدروجين في مدينة نيوم تمثل نموذجاً يُحتذى لكيفية تغلب القطاعين العام والخاص على المعوقات التي تعيق إنتاج وقود صديق للبيئة. وستعمل هذه النوعية من المشروعات على تحسين التكنولوجيا والتعرف على المعوقات التنظيمية وحلها، وتطوير مفاهيم جديدة للأمان.
ومن خلال دعم المزيد من البلديات والحكومات والقطاعات الصناعية لعدد كاف من مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، سيكون لدى المنتجين مبرر لضخ المزيد من الاستثمارات في هذه التكنولوجيا والعمليات الإنتاجية المرتبطة بها، وهو ما من شأنه تحفيز التوسع في هذا النوع الجديد من الطاقة، بما يساهم في خفض التكاليف. إنها نفس الآلية التي تمت في مجال الطاقة الشمسية ويمكنها أن تعمل بنفس الطريقة بالنسبة للهيدروجين الأخضر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال