الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعيش العالم الآن هاجس فيروس كورونا، كائن دقيق لا تراه بالعين المجردة أو الطبيعية ولا حتى بالمجهر الضوئي، كائن صغير للغاية يتسلل إلى جسد كبير فيصيبه بمرض قد تكون فيه نهايته. الأزمة التي تواجه العالم الآن وبدأت في منطقة صينية هي التعامل مع كائن دقيق ينتشر بسرعة خاطفة بين الصغار والكبار، مجرد مصافحة في لحظات قرب طبيعية ومعتادة؛ أو نَفَس عليل ينتقل من أنف إلى أنف بدون قصد؛ أو لَمسُ أشياء لمستها يد يحمل صاحبها الفيروس.
مواجهة العدو الظاهر أسهل كثيراً من مواجهة عدو خفي، وخطورة العدو لا تقاس بحجمه ولكن تقاس بتأثيره، وهذا يعني أن أشياء متناهية الصغر لا نراها أو نراها ونهملها لصغرها قد تقلب حياتنا رأساً على عقب، وتكون نهايتنا المأساوية على يدها. الفرصة تكون متاحة لتفادي الصغائر وهي كما هي صغائر لكن عندما تكبر وتتشعب تتحول إلى إخطبوط بألف ذراع.
في مؤسساتنا على سبيل المثال سلوكيات وتصرفات لا نتوقف عندها لكنها قاتلة..!
التجهم في وجه رئيسك أو مرؤوسك أو زميلك كفيلة بضياع يومك ويومه.
الشح في توجيه الشكر لموظف اجتهد فأحسن وعمل فأنجز يحطم معنوياته في حين أن “يعطيك العافية” قد تكون كافية لتحفيزه على تقديم المزيد.
غض الطرف عن سلوك قد يكون بسيطاً ولكن غير مقبول لموظف مهمل أو متكاسل أو متعجرف يعني تصريح ضمني بأن السلوك مقبول ولا غضاضة فيه ونطلب منه المزيد ولا مانع أيضاً في أن يسلك الآخرون مسلكه، وعلى المؤسسة أن تدفع التكلفة برضاها أو غير رضاها.
شكوى بسيطة من عميل يتم إهمالها أو إنكارها فيذهب العميل ولا يعود، وينشط في تمرير تجربته السيئة لآخرين حتى لا يقعوا في شرك مؤسسة لا تحترم عملائها، ويظل سبب الشكوى قائماً ليترسخ ويتغلغل حتى يكون سبباً في نهاية مؤسسة بأكملها..! حدث هذا كثيراً ومازال يحدث، إهتمام بسيط بالشكوى كان كفيلاً بمعرفة سببها ومن ثم حلها، ذات يوم تقدم عميل بشكوى بسيطة لأحد المؤسسات، الموضوع لم يستغرق حله أيام، لكن في تلك الأيام عرفوا أن ما خفي كان أعظم واكتشفوا أن الفساد كَبُر وتوِحش وبدأ ينهش في جسد المؤسسة، فقضوا عليه قبل أن يقضي عليهم.
نزاع بسيط لم يؤخذ في الاعتبار بين موظف وموظف أو بين مدير وموظف أو بين مدير ومدير فيتحول النزاع إلى صراع، وتحول الصراع إلى فرق متناحرة وتكتلات تضرب في عضد المؤسسة، والكارثة أن الصراعات الخفية تكون أكثر خطورة من الصراعات الظاهرة، لنتصور توابع صراع بين مدير ومدير لا يستند على أسباب موضوعية بقدر ما يستند على أهواء ومطامع شخصية، ونتصور قرارت يتم إتخاذها تستهدف أشخاصاً بعينهم أكثر من إستهدافها لمصالح المؤسسة، الصراع القاتل ربما كانت بدايته إختلافات في وجهات نظر وحتى لو كان إختلافاً أعمق في القيم سيظل تفكيك الصراع متاحاً عندما بدأ بنزاع بسيط أو مجرد إختلاف قابل للتطور.
فيروسات كثيرة ومتنوعة قابلة للتطور والانتشار في مؤسساتنا، إنخفاض الأداء في قسم من الأقسام، إنخفاض جودة منتج من المنتجات، إنخفاض معدلات الانتاجية وإستنفاذ وقت أكبر في مهام كانت تتم في وقت أقل، إنضباط في الحضور والانصراف بدأ يضعف بالتدريج ولا عزاء لأجهزة البصمة، صورة عن المؤسسة أو منتجاتها بدأت تفقد بريقها في عيون عملائها..الخ.
يجب أن ندرك أن كل الأشياء الكبيرة كانت بدايتها صغيرة وأن التكلفة البسيطة في البداية تتحول إلى تكلفة باهظة في النهاية، ومعظم النار من مستصغر الشرر، حفظ الله مؤسساتنا من كل سوء وكفاها الله شر فيروسات تشعر بتأثيرها أكثر مما تشعر بوجودها..!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال