الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كنتُ قبل فترة على متن إحدى الرحلات الداخلية وكنت أقوم بمشاغبة قلمي ببعض الخربشات حول الأخلاقيات والمسؤوليات التي ينبغي على قادة الموارد البشرية ومختصيها أن يتحلوا بها بعد تمعّن عميق لمَ هو موجود في السوق، حيث لم أرَ وصفاً بليغاً يجسد ويصّور المشهد كالمثل القديم “الركب كثير والحاج قليل”، وقول القائل: وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى، وليلى لا تقرُّ لهم وِصالاً. إلا أنني لمشاغل الحياة لم أجد نفسي إلا وقد ركنت المسودة، ونسيتها على طاولة مكتبي في المنزل، لأعود أبحث عنها من جديد بعد رؤية مقاطع طريفة صوّرت إدارات الموارد البشرية في كل منشأة بشكل مضحك وطريف سلّطت الضوء على عجرفة ممارساتهم.
لم تغضبني تلكم المقاطع بقدر ما أضحكتني وأحزنتني لماذا نحن دون غيرنا؟ ليعود بي العزم مرة أخرى لأواصل ما كتبته على متن تلك الرحلة، لأهميته وضرورة التعليق على الموقف، وتفادياً لتأخير البيان عن وقت حاجته.
كقادة للموارد البشرية في أي منشاة نحن مسؤولون عن تحقيق قيمة مضافة للمنظمات التي نخدمها والمساهمة في نجاح خلق بيئة عمل جاذبة ومنتجة صالحة للموظف تقف فيه إدارة الموارد البشرية موقف الحل والدعم للموظف لأي أمر يحتاج، بالتعامل المهني والإنساني تجاهه، لا ليكون أشبه بشرطة بوليسية في حالة طوارئ لديها تعليمات وأوامر يجب إنفاذها دون النظر إلى الجوانب الإنسانية لحالات الموظفين بما يضمن حفظ حق المنشأة والموظف معاً بشكل متوازن. لذا فقادة الموارد ومختصي الموارد البشرية لابد أن يمتلكوا الأخلاقيات المهنية والإنسانية التي لا يقبلون لها بأن تتأثر بأية ظروف وضغوطات، وأن لا يُختزل السعي فقط نحو تحقيق الأهداف دون الأخذ بأي جوانب إنسانية للموظف أو الإهتمام بمعرفة قدراته.
لذا ففي المدرسة القديمة “شؤون الموظفين” كان يُنظر للموظف وكأنه حجر أصم أو آلة محدودة الخصائص للتعامل معه هناك دليل إرشادي حول الأخلاقيات المهنية فقط بينما اليوم مع “إدارة الرأس المال البشري” يجب أن ينظر للموظف بأنه إنسان قبل كل شيء مورد ثمين قابل للاستثمار. يجب أن نتعامل معه كما نحب أن يتعامل معنا نحب له ما نحب لأنفسنا.
ولاجل ذلك لا نكتفي للتعامل معه بالأخلاقيات المهنية فحسب بل يقرن معها الأخلاقيات الإنسانية لهذا السبب قرنت الاثنين معاً في أول مقالتي، أثناء عملي حينما أجد أمراً معلقاً أو منسياً – يخص أحد الموظفين – تقصيراً من أحد موظفي الموارد البشرية أبدأ بسؤال المتسبب منهم سؤالاً واحداً : هل تُحب أن يعامل أمر يخصك هنا بهذه المعاملة؟ الجواب لديك، ومن ثم أنهي الحوار. وهذا لا يعني عدم الاتجاه إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة عند بلاغ الحجة والإخطار وعِظم الخطأ. من هنا يأتي دور “الذكاء العاطفي” وأهميته في بيئات الأعمال عموما بين الرئيس ومرؤوسه والموظف مع أقرانه لكن تكمن أهميتها خصوصاً لقادة ومتخصصي الموارد البشرية الذين يستلزم عُمق عملهم التواصل والاحتكاك الدائم مع الموظف أثناء رحلته داخل المنشأة من البحث إلى المباشرة ومن ثم المغادرة.
يرتبط الذكاء العاطفي ( EI) بالعواطف والمعلومات العاطفية في التعامل مع الغير. لهذا اجتذبت اهتمامًا كبيرًا لدى الباحثين وممارسي الموارد البشرية بسبب تأثيراتها على القادة والموظفين ودورها الرئيسي في الفعالية التنظيمية والتميز المؤسسي لكل منشأة لذا لا يروادني شك باعتبار الذكاء العاطفي من الأصول الهامة للموارد البشرية في المنظمات للقادة والعاملين، مما يتطلب منّا دمج الذكاء العاطفى فى فلسفة الإدارة التنظيمية والشخصية، بل من أعجب ما رأيت مؤخرا ووقفت عليه سير ذاتية لأناس في منشات عالمية مسمياتهم الوظيفية فيها “ Head of Hearts” وآخرون “Head of Hearts and Mindsets
” مما يعيدني لأحدى المقالات التي قرأتها مؤخراً والتي كانت تتحدث عن تحول جديد قادم في مسميات قادة الموارد البشرية بتضمين مفهوم الذكاء العاطفي فيها ايحاء ليجّسد لنا مثل هذه التغييرات الرسالة الحقيقة التي يجب أن يرى بها قادة الموارد البشرية موظفو المنشأة !
منذ وقت طويل وما زال لدى البعض اعتقاد بأن أسرع طريقة إلى الترقية تكون من نصيب ذوي المعرفة والمهارات التقنية الأكبر، لكن الأمر لم يعد كذلك الآن وفي المستقبل القريب، إذ يرى بعض قادة الموارد البشرية ومدراء المزايا والمكافآت أنّه بمجرد ترقية شخص ما، تصبح المهارات التقنية أقل ضرورة بينما ترتفع أهمية المهارات الشخصية، بل حينما نتحدث عن الإبقاء والمحافظة على الموظفين سيصبح من المهم بشكل متزايد التمسك بالموظفين الجيدين، وفى الوقت نفسه ستكون هناك منافسة أكثر شراسةً بشأن الحصول على أفضل الموظفين، وسيجد الموظفون الذين يشعرون بعدم الإنصاف سهولة فى العثور على بيئة عمل آخرى تلبى احتياجاتهم. فلا يمكن أن تغفل المنشآت عن حقيقة أن موظفها إنسان ذو حياة وعواطف حقيقية تؤثر على كيفية شعوره وتفكيره وعمله.
لذا فالذكاء العاطفي هو عنصر أساسي وحاسم في قرارات الموارد البشرية حيث كل شيئ يدور حول الموظف وإنسانيته بل لم يعد يجدي الآن أن ينتهي دورك في الموارد البشرية بأن تجيب على طلبات ترد للمساعدة بـ “لا يمكن” بكل سعادة ، أو “لا يجوز” باباتسامة ولسان حالك يقول “لا يكثر”، أو تقديم “هوى النفس” حسداً على مساعدة الغير وانفاذ وتقديم ما يستحقه الموظف أو “التنطع” في تطبيق سياسات وإجراءات وتحميل بعضها ما لا تحتمل واطلاق الحكم على حالات قبل تصوّرها دون أن تدعم وتساعد في إيجاد حلٍ آخر، لابساً قبعة المستشار للموظف محاولاً الوقوف معه في أمره بما يضمن عدم الإضرار بالمنشأة.
فيما يلي بعض الإشارات المهمة التي قد تُشعرنا بأنه قد حان الوقت لتعزيز الذكاء العاطفي داخل منشآتنا :
*ارتفاع معدل الدوران الوظيفي.
*تزايد حركة الاجازات المتقطعة لبعض الموظفين بشكل ملحوظ.
*انتشار ثقافة القيل والقال داخل المنشأة.
*اتساع فجوة التواصل بين الرئيس ومرؤوسه.
*الاتجاه إلى المعاقبة مباشرة وبشدة على الأخطاء دون النظر إلى الأسباب والمسببات.
*تمييز موظفين عن الغير بشكل غير منطقي، بينما يتم نسيان البقية إلى حد كبير.
*التهاون في الإخذ بالاعتبار التطوير الشخصي والمهني على محمل الجد.
*انعدام التنوع والشمولية داخل بيئة العمل.
لذا فكقائد أو مختص في الموارد البشرية، فإن أفضل شيء يمكنك القيام به داخل منشأتك هو تعزيز مستوى ذكائك العاطفي. هذا لن يفيد عملك فحسب على المستوى الشخصي، بل كل الأطراف التي تتعامل معها ذات العلاقة ستستفيد من الارتقاء بمستوى ذكائك إلى المستوى الأعلى.
همسة في إذن كل قائد موارد بشرية ..
أنت داخل منشأتك أمام موظفينها تماماً كالقاضي بين الناس، فالقضاة ثلاثة قاضيان في النار، وقاض في الجنة، قاض قضى بالهوى وقاض قضى بغير علم وقاض قضى بالحق لذا فأبعد الهوى في تعاملك مع الموظفين، ولا تحكم قبل أن تتصور كامل أمرهم، واجعل في نفسك الرغبة في الإنصاف والعدل والمساعدة قبل كل شيئ .. فاختر لنفسك ما تريده ..
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال