الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل يقدم لنا “كورونا” مكسب اقتصادي لا يمكن إضاعته وهل سنقتنص هذه الفرصة التي ربما لن تتكرر في المستقبل؟
بالرغم من وجود فايروسات أكثر خطر وفتك بالإنسان من فايروس “كورونا” الذي ظهر حديثا، الا أن هذا الفايروس البدائي وضع العالم في حالة هلع نتيجة عدم القدرة على محاربته والحد من انتشاره (على الأقل في الوقت الراهن). ومع حرفية الإعلام المُقْتَات على الفرقعات الإخبارية وقدرته في جعل الأرقام القزْمة تظهر وكأنها مأساوية، جعل المجتمعات العالمية مصدومة ومرعوبة. تحت مثل هذه الظروف والتأثيرات المضخمة، يمكن لهذه المجتمعات أن تستجيب لما يطلب منها وبلا مقاومة تُذكر. فيتم توجيهها في مساق مستحدث تماما ليغير نمط حياتها وربما بالكامل وفي وقت قياسي جدا.
عالم المال والأعمال – أيضا – يستجيب ويتغير ولكن لأسباب مختلفة. توجسه ليس من الاصابات بهذا الفايروس التي يتعافى 80% منها بالراحة التامة في المنازل وبدون أي تدخل دوائي. أو من نسبة الوفيات بسببه والتي لا تتعدي 3.5% (حالات تعاني أصلا من مشاكل صحية أخرى) مقارنة بالأنفلونزا الموسمية – على سبيل المثال – التي تقضي على ما يقارب 646 ألف إنسان سنويا. الخوف هو من تأثيره الكارثي على تجارة العالم. المجتمع الاقتصادي راي كيف “كورونا” جعل الصين – المصنف كثاني اقتصاد عالمي وبحجم يتجاوز 13 تريليون دولار وفي غضون ساعات – مشلول من أن يوفي بتعهداته الانتاجية الداخلة في معظم سلاسل التوريد على مستوى العالم أجمع.
هذا جعل الكثير من الشركات الكبرى ذات التواجد الإنتاجي الضخم في الصين يوقنوا بأن هناك تغيرات جذرية لا بد أن يتخذوها أمام مثل هذه المخاطرة التي يمكن أن تتكرر مستقبلا وفي أي مكان. مثل الموقف الصعب الذي تعرضت له الشركة الترليونية العملاقة “أبل” التي وجدت نفسها لا تستطيع امداد الأسواق العالمية بكميات جديدة من منتجاتها بسبب تعلق الإنتاج في مصانعها في الصين.
مدينة “ووهان” الصينية تحتضن حوالي 300 مصنع من مجموع 500 مصنع متواجدة في الصين وترجع ملكيتها لشركات عالمية كبرى ذات انتاج ضخم في عدة مجالات. هذه الشركات تبحث بشكل جدي في مسألة تخفيف المخاطر على استمرارية انتاجها بسبب ما واجهوه أثناء انتشار فايروس “كورونا”. ليس بالانتقال الى مدن صينية أخرى ولكن من خلال توزيع خطوط انتاجها على مناطق أخرى في العالم. فالشلل في الإنتاج الذي حصل لا يمكن لأي منظومة اقتصادية مهما بلغت قوتها أن تتحمله.
وعودة لسؤال المقال، بكل تأكيد “كورونا” يقدم لنا فرصة لابد من التحرك فورا لاغتنامها. خاصة أن المملكة تتحلى بِسِمَات وقُدرات جاذبة تساهم في تسهيل عملية الاستقطاب ونادرا ما توجد في دولة أخرى ومتجمعة بهذا الشكل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في المملكة يوجد أضخم لقيم “هيدروكربوني” خام في العالم وأيضا اللقيم “البتروكيماوي” الأساس للصناعات التحويلية، وشبكات طاقة ومياه، ومدن صناعية ببنيات تحتية متكاملة، وشبكة مواصلات وموانئ ضخمة، وقدرات اتصالات عالية الجودة ومنافسة، ومنظومة مالية عريضة ومرنة، وبيئة استثمارية مدعومة، وقوى عاملة شابة ومتعلمة، وجامعات ومراكز بحث علمي متقدمة. هذا إضافة الى انها أكبر سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. ولها منافذها المباشرة والحيوية على العديد من الأسواق وخاصة القارة الافريقية ودول حوض البحر الأبيض المتوسط.
أمام الوزارات الثلاث – الصناعة والاستثمار والتجارة – فرصة تكاملية ذهبية في وضع برنامج استراتيجي عاجل (بفريق عمل محترف يبني ويسوق بيئة اقتصادية حرة بالمملكة) لاستهداف واستقطاب فوري لهذه الشركات التي تبحث عن مواقع أخرى لتوزيع خطوط انتاجها. فلو استطعنا أن نستقطب 10% فقط من مجموع هذه المصانع ذات الإنتاج النوعي والضخم، نكون قد حققنا مكاسب لا تقدر بثمن و متواكبة مع تطلعات الرؤية. وسيكون هذا البرنامج نموذج لاستخدامه مع منظومات صناعية أخرى مجتمعة في مواقع أخرى ولديها نفس توجس المصانع في الصين.
التغيير في كل جوانب الحياة يأخذ مسار متسارع بعد قصة “كورونا”. اقتصاد العالم بعد هذه التجربة يعيد ترتيب أجندته. العالم المتقدم يعي أهمية المبادرة والتجاوب والتكيف الذي هو سر الديمومة في أي منظومة. أما الانتظار او المقاومة فمآلها ما انتهت اليه الديناصورات وبلا رحمة. المهم أن نكون متجاوبين بنفس الوتيرة التسارعية لكي نقتنص الفرص.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال