الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نعيش هذه الأيام أزمة ممكن أن يقال عنها بأنها (معقدة) في ظل تفشي العدو الغير مرئي (فيروس كورونا الجديد) والذي لم يفلت منه بلد. حيث أعلنت معظم الدول حالة الطواريء وفُرض في بعضها حظر التجول فأضحى أشد فتكا من الحروب لأنه يهاجم بدون (صافرات إنذار) فتأثر الاقتصاد والأسواق العالمية قبل البشر و بالطبع أول المتضررين أسواق النفط الذي أُدخل مرارا وتكرارا من قبل في الانعاش بسبب التوترات السياسية في المنطقة واختلال العرض و الطلب للنفط الخام.
لو ذكرت لك عزيزي القاريء بأنه في عام 1998 وصل سعر النفط إلى 10 دولار و هو الاقل في القرن العشرين وبعدها بعشر سنوات أي في سنة 2008 وصل السعر إلى 100 دولار فستعرف من هذا السيناريو أنه لا يمكن التنبأ بأسعار النفط وأنها تخضع غالبا للظروف الجيوسياسية والحروب والأوبئة. وهذا ما يحدث الآن من هبوط في أسعار النفط نتيجة لتباطؤ النشاط الصناعي للمناطق الموبوءة بفيروس كورونا.
كان الجميع يترقب اجتماع أوبك+ هذا الشهر بتوتر وأولهم منتجو النفط الصخري الأمريكيون الذين لطالما كانوا واثقين من أن التحالف النفطي السعودي-الروسي والقائم منذ عام 2016 سيواصل دعم أسعار النفط الخام ويسمح لقطاعهم بالازدهار. لانهم يعلمون تماماً أن أي توقف عن خفض الانتاج لدعم الأسعار من أوبك سيقضي مباشرة على النفط الصخري.
وهذا ما أغضب الروس الذين أرادو أن ينتقموا من الأمريكان على حساب اتفاق أوبك وتوازن السوق والذين يرون أن تعاونهم مع أوبك أصبح عامل مساعد لازدهار نشاط النفط الصخري الأمريكي والذي أصبح ينافسهم في الحصة السوقية وبالأخص في الشرق الأسيوي وزاد هذا العداء أكثر عندما فرضت إدارة ترامب عقوبات على شركة روسنفت ، بطل النفط الروسي والمدعومة من الحكومة، لنقل الخام الفنزويلي في انتهاك للعقوبات الأمريكية التي كانت تضغط للإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من السلطة والتي حذرت من أن أي شخص يتعامل مع الشركة سيتعرض لخطر العقوبات من قبل الولايات المتحدة والذي اعتبرها الروس اهانة كبيرة لهم.لذلك اتخذوا من أزمة تفشي كورونا فرصة للانتقام.
ففي آجتماع أوبك+ والذي عقد لمناقشة خفض أكبر للانتاج إلى ما يقارب 1.5 مليون لاعادة توازن السوق لمواجهة هذه الأزمة رفض الروس لأي زيادة بالتخفيض ليس ذلك فقط بل أعلنوا عن عودة إنتاجهم في أول أبريل إلى ما كان عليه مع نهاية اتفاق أوبك بلس نهاية مارس.
هذا التعنت الروسي أغضب المملكة التي رأت بأنه تصرف غير مسؤول والذي لم يكن لديها أي خيارات إلا خيارا واحدا و هو (العلاج بالصدمة) وتعرف بأنها أحد طرق العلاج النفسي والتي يحتاج فيها الشخص إلى قول أو فعل أو إجراء جديد ليفيق وينتبه إلى سلوكه وأفعاله ويستيقظ من غفلته ويعيد حساباته ويعود إلى صوابه.
وهذا ما فعلته المملكة التي فاجأت الجميع بردة فعلها فقد أعلنت عن رفع انتاجها إلى 12.3 مليون برميل يوميا لينخفض خام برنت القياسي بنسبة 34 في المائة، ليس ذلك فقط بل قدمت تخفيضات كبيرة لبيع نفطها الخام بما يصل إلى 8 دولارات للبرميل بهدف تحقيق تموضع جيد في السوق وركزت على المشترون من شمال شرق أوروبا وهي السوق الأهم للروس والذي وصفته وسائل الاعلام الأجنبية بأنه عمل بطولي لم تشهده الاسواق من قبل.
فالمملكة لا تريد أن تحظى بخسارتين، خسارة الأسعار وخسارة حصتها السوقية معها وهذا ماصرح به وزير الطاقة سمو الامير عبدالعزيز بن سلمان بقوله “نحن في سوق حرة.. كل منتج للنفط يحتاج لاستعراض تنافسيته والحفاظ على حصته السوقية وتعزيزها” فكان رده واثقا قويا لوزير الطاقة الروسي الذي استوعب الصدمة وسارع بالدعوة لعقد اجتماع مع أوبك+ في فترة مايو – يونيو، “لا نرى ما يبرر عقد اجتماع فقط لنظهر الفشل في التعامل مع الأزمة الحالية” هكذا قال الامير.
و إذا تسائلت من المنتصر هنا أو بتعبير آخر من خرج بأقل الخسائر فالبطبع هي السعودية و ذلك لعدة أسباب:
١- المملكة هي المنتج الوحيد الذي يصدر ما يكفي من النفط ولديها سيطرة مركزية لممارسة قدر ما من القوة السوقية في سوق النفط.
٢- النفط في المملكة هو منتج منخفض التكلفة.
٣- المملكة هي الدولة الوحيدة التي تركز إنتاجها في شركة واحدة (أرامكو السعودية) وتصدر ما يكفي من التأثير على الأسعار العالمية (7-8 مليون برميل في اليوم) على عكس روسيا التي يتوزع انتاجها على عدة شركات.
٤- المملكة هي دائماً المنتج المتأرجح في سوق النفط سواء كانت ترحب بالدور أم لا.
والتاريخ يعيد نفسه، فكل من عمل في قطاع النفط لا زال يتذكر سنة 1986 والتي تخلت فيه السعودية عن دور المنتج المتأرجح swing producer والذي نتج عنه حرب شرسة بين أعضاء أوبك وأعلنت بعدها السعودية أنها ستدافع عن حصتها في السوق فقدمت تخفيضات كبيرة على نفطها ورفعت الإنتاج بصورة كبيرة لإغراق السوق واستعادت حصتها. فبدأ الجميع في أوبك في تقليد السعودية وإعطاء تخفيضات كبيرة وهو ما أدى في الأخير إلى هبوط أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات.
وانتصرت السعودية في تلك الحرب مما أجبرت فيها أوبك على الإتفاق على تقليص الإنتاج مجددا.
لذا كانت ومازالت السعودية منذ عقود القوة العظمى والدرع الواقي لأسواق النفط العالمية حملت على عاتقها مسؤولية المحافظة على الاسعار عند مستويات متوازنة تناسب الجميع من أجل الاستقرار الاقتصادي. وواجهت مؤخرا أشد المحن وأكثر الملفات حساسية تصدى لها عراب الطاقة سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان بحكمته وخبرته قد يكون أهمها الاعتداءات الارهابية على المنشئات النفطية لأرامكو والتي أبهرت العالم بعودة الإنتاج في أول 72 ساعة من الهجمات وكانت أكبر دليل على قوة المملكة وقدرتها المتفردة في مواجهة الأزمات وأثبتت أن طاقة المملكة هي المحرك للسوق والإقتصاد العالمي.
وهذه رسالة للعالم، لا تختبر صبر المملكة وحلمها، فمن آستطاعت أن تنفض غبار الارهاب وتصمد أمام الحروب في قلب التوترات الجيوسياسية، ستستطيع أن تواجه أي شيء آخر لتعود أقوى من ذي قبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال