الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اذا كنت تقرأ هذا المقال وقد تجاوزت الأربعين من العمر، فأغلب الظن أنك تتذكر حادثة مفاعل تشيرنوبل. و قد تتذكر السحابة النووية الناتجة عن انفجار المفاعل التي بدأت تدور العالم و تقارير الأخبار كل ليلة (على القناة الأولى السعودية) تتابع تحركها. و كان دعاء الناس أن لا تدفعها الرياح نحو الشرق الأوسط و طلب من العامة البقاء في البيوت لعدم التعرض لغبار او مطر مشع. ما نمر به الآن يذكرني كثيرا بحادثة مفاعل تشرنوبل، و كما غيرت حادثة تشرنوبل الكثير، فإن وباء الكورونا سوف يغير الكثير، وفي مقالي هذا محاولة لاستشراف تغيرين اقتصاديين عالمين، من قائمة طويلة لتغيرات اقتصادية قادمة احدهما متعلق بالتجارة الدولية و الآخر بأحد الصناعات، سوف يحدثان بعد انكفاء هذا الوباء.
لا اقصد هنا التأثير الاقتصادي المباشر لانتشار مرض كورونا الجديد خلال 2020 و 2021، فهذا مرتبط بمدة بقاء العالم مغلقا عن بعضه و مستوى تعافي الاقتصادات الرئيسية بعد عودة الأمور الى طبيعتها، و أي محاولة لقراءة ذلك صعبة جدا. اقصد هنا التغيير الدائم في طريقة عمل الاقتصاد العالمي. و مثلما كان تشرنوبل بداية تفكك الاتحاد السوفيتي، مثل ما ذكر ميخائيل غورباتشوف، و نهاية لحلم جعل الطاقة مصدر بديل للنفط، فاني اعتقد أن ما نمر به الان من أزمة عالمية سوف يفقد الصين مكانتها كمصنع العالم الأول و سوف يغير صناعة السفر والسياحة الى الابد.
أما فيما يخص الصين، فسوف تحمل الكثير من اللوم لنشوء و انتشار هذا الفيروس، سواء ذلك عن وجه حق ام لا. و قد قرأت في عدد من وسائل الإعلام الامريكية تقارير تحمل الحكومة الصينية و أنظمتها و قراراتها المتعلقة بتربية و بيع الحيوانات مسؤولية انتقال الفيروس من الحيوانات الى البشر، أي ان الانتقال ليس بالصدفة، و انما نتيجة أنظمة و قرارات خاطئة، ذلك سوف يترك شعورا سلبيا لسنين لدى المستثمرين و أصحاب روؤس الأموال و حتى لدى المستهلكين لكل ما هو مرتبط بالصين. إضافة الى ذلك، فقد أصبح لدى السياسيين الذين يرغبون في ابتعاد شركات بلادهم عن الصين ذريعة سياسية و عملية في الضغط عليهم لفعل ذلك. و كذا الفوضى التي حدثت في سلاسل الامداد للمنتجات المصنعة في الصين، سوف تفقد الشركات العالمية الإيمان التام أن الاعتماد على الصين كمنصة للإنتاج المستمر حل لا مثيل له. بديل الصين سوف يكون بلدانا أخرى في جنوب شرق اسيا او أمريكا الجنوبية، و عودة جزء كبير من عمليات الشركات الى بلدانها الأصلية. و ذلك لا يعني انهيار الصين اقتصاديا، انما يعنى فقدها لمكانتها الحالية.
اما عن صناعة السفر و السياحة، فتصوري أن السفر لعقد اجتماعات العمل سوف يصبح من خيارات الماضي. فبعد تعود التنفيذين في الشركات خلال الأسابيع الحالية و القادمة على التواصل عن طريق برامج الاجتماع المرئي مثل سكايب و مايكروسوفت تيمز، سيصبح ذلك الخيار الأول، و يصبح السفر خيارا عند الحاجة القصوى. و هذا سوف يعني انخفاضا شديدا لمداخيل شركات الطيران والضيافة. أما السياحة، فاني اعتقد ان تعامل بعض الدول الإيجابي حاليا مع مرض الكورونا سوف يصبح ميزة إضافية لدى السياح مستقبلا. ذلك لان الخوف من الوباء سوف يظل هاجسا لسنوات قادمة عديدة. كما ستتغير خارطة و قوائم وجهات السفر للسياحة، لتبتعد عن جنوب شرق اسيا و السفن السياحية، الى دول اثبتت حسن تعاملها مع الازمات الكبيرة. و على رأس هذه الدول، و لله الحمد، السعودية.
انا متفائل بعودة قوية للاقتصادات كافة بعد زوال الوباء، خصوصا اقتصاد السعودية. لان التاريخ الاقتصادي أثبت انه لما يكون مسبب التباطؤ او الكساد عوامل هيكلية في الاقتصاد، مثل عام 2008، فان الاقتصاد لا يتعافى بسرعة، اما اذا كان التباطؤ او الكساد بسبب عوامل خارج منظومة الاقتصاد، وباء او حرب، فان ارتداد الاقتصاد يكون اسرع بكثير، وأمثلة ذلك كثير. حمانا الله و اياكم من كل الشرور و دمتم بخير.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال