الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لو تخليت أن أُمّنَا “الأرض” مخلوق له عقل وإدراك وإحساس، فسوف أتخيل ايضاً أنها احتفلت مبكرًا ولوحدها بيومها السنوي الموافق 22 ابريل. فقد جاء وباء كورونا متنفسًا لها وعلى طريقتها الخاصة لبرهة من الزمن بعيدا عن عبث البشر وخنقهم لها.
وأتخيل أنها تشعر بأن جميع المبادرات الإنسانية لبرها كانت نوعًا من العقوق المغلف بغلاف البر بدأً من مبادرات ما قبل قمة الأرض في جوهانسبرغ عام 2002 وإعلان عام 2008 سنة دولية لكوكب الأرض وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2009 اعتبار يوم 22 نيسان/أبريل بوصفه اليوم الدولي لأمنا الأرض و قمتهما المسماة ب (ريو + 20)، وأخيرا قمة المناخ 2019، و مؤتمر الأمم المتحدة الـ25 لتغير المناخ، اللذان يركزان على تحقيق اتفاقية باريس.
قبل عدة أيام نقلت البي بي سي عن باحثين في نيويورك “أن النتائج الأولية التي تمخضت عنها بحوثهم تشير إلى نسبة غاز أول أكسيد الكربون – الناتج بدرجة رئيسية عن استخدام السيارات – قد انخفضت بنسبة 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي. كما انخفضت إلى حد كبير نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يسبب ارتفاع درجات الحرارة ” تزامنا مع انحسار الحركة بعد تفشي وباء كورونا المعروف ب كوفيد 19 .
من جانبها نشرت وكالة ناسا في شهر فبراير المنصرم صورًا بالأقمار الصناعية أظهرت ، انخفاضا ظاهرا في مستوي تلوث ثاني أكسيد النيتروجين لأول مرة بالقرب من ووهان الصينية عندما تم وضع مساحات كبيرة من هذا البلد في عزل تام لمنع انتشار فيروس كوفيد19، ولكنه انتشر في نهاية المطاف في جميع أنحاء البلاد، حيث تم عزل ملايين الأشخاص في واحدة من أكبر هذه اعمال العزل الصحي في تاريخ البشرية.
ينبعث ثاني أكسيد النيتروجين في الهواء من حرق الوقود في السيارات والشاحنات والحافلات ومحطات الطاقة والمعدات على الطرق الوعرة ، ومن المعروف أن ثاني أكسيد النتروجين من الغازات الملوثة الخطيرة علاوة على مساهمته في رفع درجات الحرارة.
ويذكر فاي ليو ، باحث في جودة الهواء في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا: “هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها انخفاضًا كبيرًا في مثل هذه المساحة الواسعة لحدث معين”. يتذكر ليو رؤية انخفاض في ثاني أكسيد النيتروجين في العديد من البلدان خلال الركود الاقتصادي الذي بدأ في عام 2008 ، ولكن الانخفاض كان تدريجيًا.
في الصين انخفض استهلاك الفحم في محطات الطاقة بنسبة 36%، وانخفضت معدلات التشغيل لمنتجات الصلب الرئيسية بأكثر من 15% ، وانخفض إنتاجية الفحم في أكبر ميناء للفحم بنسبة 29٪ ، وانخفض استخدام مصنع فحم الكوك بنسبة 23 ٪ وانخفضت طاقة تكرير النفط بنسبة 34% ، في ذروتها فأظهرت مستويات ثاني أكسيد النيتروجين القائمة على مراقبة الأقمار الصناعية انخفاضا بنسبة 37% .
وإجمالاً ، أدت إجراءات احتواء الفيروس التاجي إلى تخفيض الإنتاج بنسبة 15٪ إلى 40٪ عبر القطاعات الصناعية الرئيسية ومن المحتمل أن تكون هذه الإجراءات قد قضت على ربع أو أكثر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين أثناء فترة العزل .
وحسب مانشرته صحيفة الديلي ميل البريطانية ، يقول اقتصادي الموارد البيئية مارشال بيرك إن هناك صلة مثبتة بين نوعية الهواء السيئة والوفيات المبكرة المرتبطة بتنفس ذلك الهواء. وقال: “مع وضع هذا في الاعتبار” ، فإن سؤالًا طبيعيًا – إذا كان من الغريب الاعتراف به – هو ما إذا كانت الأرواح التي أنقذت من هذا الانخفاض في التلوث الناجم عن الاضطراب الاقتصادي من كوفيد ١٩ يتجاوز عدد القتلى من الفيروس نفسه. “حتى في ظل الافتراضات المحافظة للغاية ، أعتقد أن الإجابة هي” نعم “واضحة”. ففي شهرين فقط من انخفاض مستويات التلوث ، يقول إنه من المحتمل أن ينقذ حياة 4000 طفل دون سن الخامسة و 73000 بالغ فوق 70 عاماً في الصين وحدها، وقال إن الشخص العادي يخسر حوالي ثلاث سنوات من حياته بسبب تلوث الهواء – على غرار تأثير تدخين التبغ وأعلى من الملاريا.
في إيطاليا أظهرت لقطات فضائية نشرتها وكالة الفضاء الأوروبية “انخفاضًا ملحوظًا” في تلوث الهواء فوق إيطاليا بعد إجراءات العزل للحد من انتشار الفيروس التاجي.
ونقلت الديلي ميل عن العالم كلاوس زينر من وكالة الفضاء الأوروبية ، مدير مهمة القمر الصناعي سينتنيال 5 المكلف بمراقبة التلوث فوق أوروبا ، “إن انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين فوق وادي بو في شمال إيطاليا واضح بشكل خاص. وقال “على الرغم من أنه قد تكون هناك اختلافات طفيفة في البيانات بسبب الغطاء السحابي وتغير الطقس ، إلا أننا واثقون جدًا من أن انخفاض الانبعاثات الذي يمكننا رؤيته يتزامن مع إجراءات العزل في إيطاليا مما يتسبب في انخفاض حركة المرور والأنشطة الصناعية.”
ونقلت الصحيفة أن المملكة المتحدة شهدت أيضًا انخفاضًا في مستويات تلوث الهواء ، على الرغم من أنه من السابق لأوانه الدخول في عملية العزل للحصول على أرقام دقيقة للبلد بأكمله وفقًا للخبراء.
البشر على الأغلب يرسلون لأمهم المعطاء رسائل متناقضة ويعتقدون أنهم بإطفائهم المصابيح الكهربائية لعدة ساعات في يوم 22 أبريل قد نجحوا في إعطاء كوكبنا الجميل رسالة ود وفرصة للتنفس لا يلبثوا أن يعقبوها ب 364 يوما من العذاب! . وهنا مكان للسؤال الذي يحتاج العالم أن يجيب عنه هو : ماالذي يمنع أن نمنح الأرض فرصة للتنفس كل شهر كما منحها فيروس كورونا الصغير هذ الفرصة في الصين وإيطاليا وغيرهما ؟ . وهل سينتهي العالم وتنقرض البشرية لو أن مصادر التلوث توقفت أسبوعا أو ثلاثة أيام كل شهر حتى تلتقط الأرض انفاسها ؟ لنتذكر جميعا أن الله أمرنا بإعمار الأرض وهل يوجد إعمار أجمل من الحفاظ عليها؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال