الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لأن مكتب المحامي ما هو إلا منشأة فمن الطبيعي أن تتخاطر أفكاره مع هموم الشباب من ريادي الأعمال في العالم، ولكون عمله مستشارًا فهذا يمنحه بعدًا آخر في البحث والتقصي عن الحلول؛ ليفيد نفسه أولاً وليجيب على مايطرحه الآخرون من أسئلة تتشابه في لونها وشكلها، فمن الأسئلة التي لاتتوقف هذه الأيام بسبب الأزمة العالمية مع كورونا: ما هي الحلول مع العمالة الموجودة لدي؟ وأخرى عن هيكلة المنشأة؟ وأسئلة عن الإفلاس؟ وسؤال أخر عن الآلية النظامية لفسخ العقود؟ ونلاحظ أنه عند الأزمات تكثر الأسئلة التي تبحث عن مخارج للتحلل من العقود، أما عند إزدهار الاقتصاد فجلّ الأسئلة تدور حول عمليات إتمام الصفقات والمضي في العقود وغير ذلك؛ لذا أطرح باختصار موجز ما يتعلق بهذه الحالات.
فبشأن عقود العمل فإن نظام العمل الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 23/8/1426هـ وتعديلاته، وضع أكثر من طريقة لفسخ عقد العامل، إما عن طريق الفصل المشروع وفق المادة (80) من النظام، ومخالفات العامل المحصورة في تلك المادة، ويمكن تطبيقها على العاملين الممتنعين عن العمل في هذه الظروف – بإستثناء من خوله النظام الحق في الحصول على إجازة إجبارية وفق اللوائح والقرارات الإدارية الصادرة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الإجتماعية والجهات الحكومية ذات العلاقة -، ويمكن اللجوء أيضًا للمادة (77) وهي حل وسط للعامل وصاحب المنشأة بالتعويض المتبادل بين الأطراف في حال الإتفاق عليه في العقد مسبقًا، أو الالتزام بدفع أجر خمسة عشر يومًا عن كل سنة من سنوات الخدمة إذا كان العقد غير محدد المدة، أو أجر المدة المتبقية إذا كان العقد محدد المدة، وبشرط إلا يقل التعويض في الحالتين عن أجر العامل لمدة شهرين.
كما يمكن اللجوء للفقرة (6) من المادة (74) والمعنية بإغلاق المنشأة نهائيًا، أو الفقرة (7) من ذات المادة والمعنية بإنهاء النشاط الذي يعمل فيه العامل – ما لم يُتفق على غير ذلك – ، وننوه أنه لا يجوز التخلص من العامل استنادًا إلى الظروف الإقتصادية وفق ما جاء في مدونة المبادئ والقرارات العمالية في القرار رقم (633/2/431) بتاريخ 4/6/1431ه الذي نص على أن: “فصل العامل بسبب الأزمة الإقتصادية وتقليص النفقات دون إثبات تأثر صاحب العمل بالأزمة لا يعد مبررًا مشروعًا للفصل”.
وفيما يتعلق بأحقية العامل في الحصول على إجازة دون أجر، فإنه يحق للعامل الحصول على تلك الإجازة شريطة موافقة صاحب العمل، وموافقة طرفي العقد على تحديد مدتها، ويعد عقد العمل موقفًا خلال مدة هذه الإجازة فيما زاد على (20) يومًا ما لم يتفق الطرفين على خلاف ذلك وفقاً لما نصت عليه المادة (116) من نظام العمل. أما ما تفعله بعض منشآت القطاع الخاص بمنح العاملين لديها إجازة دون أجر دون أن يتقدم العامل بطلبها؛ فإن النظام لا يسمح بذلك حيث إن الظروف الاستثنائية المؤقتة لا تؤثر على العلاقة التعاقدية العمالية القائمة بين العامل وصاحب العمل. وعما يخص ما تقوم به بعض المنشأت من استئجار أيدي عاملة من شركات تأجير الموارد البشرية فهذه تخضع لأحكام العقود العامة واشتراطات الأطراف والآليات المنصوص عليها في عقد التأجير.
كذلك من الأسئلة المتكررة ما يتعلق بهيكلة المنشأة في ظل هذه الظروف بإغلاق بعض الفروع نظرًا للظروف الراهنة، وهذه تستلزم النظر فيما يتبع هذا الإغلاق من ضرورة إصدار قرار من صاحب الصلاحية في تلك المنشأة بإغلاق الفرع وشطب السجل التجاري التابع له، والتحلل من عقد الإيجار، وتفريغ المنشأة من العمالة والبضاعة.
ومن الأسئلة الشائعة ما يتعلق بالإفلاس، ومعلوم أنه لا يمكن اللجوء إليه إلا وفق شروط محددة تتعلق بالتعثر وعدم القدرة على الاستمرار وفق نظام الإفلاس الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/50) وتاريخ 28/5/1439هـ، أما فيما يتعلق بالتصفية فمرد ذلك إلى أحكام التصفية الواردة في الباب العاشر من نظام الشركات، والتي قررت أن التصفية تمر عبر طريقين، التصفية القضائية وذلك حينما ينتشر النزاع في جذور الشركة والشركاء، والتصفية الرضائية حينما تكون حبال الود على أحسن حال.
ومن الأسئلة الثائرة ما يتعلق بفسخ العقود وانحلالها بين الموردين والمشترين، ولاشك أن أفضل الحلول أقلها أثر، ولا يكون ذلك إلا بالتخارج المرضي بين الطرفين، إلا إذا أغلقت السُبل فإن آخر الدواء الكي، ويمكن اللجوء إلى القواعد القانونية والفقهية العامة التي تحدثت عن أحكام القوة القاهرة والجوائح والظروف الطارئة، مع مراعاة ما يمنحه النظام من سلطة مطلقة للقاضي في تقدير هذه الظروف ويمكنكم الرجوع إلى مقالي السابق ( فضلا أضغط هنا) ، ولقد مرت علي عدد من الأحكام المتعلقة بذلك منها ماجاء في (مجموعة الأحكام الإدارية، رقم حكم الإستئناف 381/إس/1 لعام 1429ه بتاريخ 29/8/1429ه)، وذلك حينما ظهر حمى الوادي المتصدع في جازان فهربت العمالة من الشركات وخصمت وزارة التربية والتعليم على مقاول سبعمائة ألف ريال غرامة تأخير، وقد أمرت المحكمة الوزارة برد المبلغ مسببة ذلك بأن ظهور الأوبئة والأمراض من قبيل الظروف الطارئة.
ومما لاحظته عند تباطؤ الاقتصاد أن التاجر يفتش في دفاتر المدينين محاولاً العثور على شيء من مال يُسَيّر به منشأته، وهذا الأمر جيد؛ إلا أنه يستلزم وجود مستندات نظامية تثبت في إحقاق الحق، ومنها وجود عقود بين الأطراف أو سندات أو أي بينة تسهل وصول الحق والسبيل إليه، وإلا فإن البحث عن الديون المتوقعة وليست الحقيقية أو البحث عن التعويض الإفتراضي بناء على فوات منفعة أو إلحاق ضرر فهي مجالات محدودة قلّ أن تكون ذا جدوى؛ إلا إذا توافرت معها بيّنات قاطعة مقنعة للمحكمة.
أخيرا دائمًا ما نردد أن الابتعاد عن المشاكل القانونية أسهل من الوقوع فيها ومحاولة التخلص منها، ولذلك فإن المنشآت القادرة على تخطي الازمات الاقتصادية هي الشركات التي لديها إستعداد جيد وعمل منظم، وقد قيل إذا كنت ترغب في تجنب الدعاوى القضائية المروعة؛ فعليك أن تعرف القوانين وأن تبذل قصارى جهدك للتعرف عليها والإلتزام بها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال