الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تفاجأت أسواق النفط بالسابقة التي جاء فيها تصريح وزير الطاقة الأمريكي – مؤخرا – بأن هناك فكرة مطروحة لتثبيت أسعار النفط من خلال إمكانية إقامة تحالف نفطي أمريكي سعودي مشترك.
جاء هذا التحرك الأمريكي كمبادرة هامة من واشنطن لتعاون سعودي أمريكي تاريخي لتوازن السوق واستقرار الاقتصاد العالمي بعد تداعيات جائحة فيروس كورونا على الطلب العالمي على النفط ومشتقاته، واضطراب واسع النطاق في الأسواق المالية الأمريكية. هذا الاضطراب يعد كارثي لمُنتِجي النفط الصخري الأمريكي مما يهدد في استدامة النمو في الإنتاج.
جِدِيّة الولايات المتحدة الأمريكية في تحالف نفطي أمريكي سعودي مشترك تجسد جلياً في تعيين “د. فيكتوريا كوتس” كموفدة خاصة لوزارة الطاقة الأمريكية للمملكة. وذلك لمناقشة مشروع التعاون.
الخطوة الأمريكية تؤشر – من منظورها – الى ان هناك ارادة قوية لتأسيس أول تعاون أمريكي سعودي لتوازن السوق في التاريخ الذي لطالما استفادت منه الولايات المتحدة على مدى عقود سواء كمستورد رئيسي للنفط او كمصدّر له بعد ثورة النفط الصخري.
هذا التعاون التاريخي يحتاج الى تغيير جذري في الموقف الأمريكي وعلاقاتها مع قوى الطاقة في العالم. ولكن بما أن الولايات المتحدة تتطلع الى تعاون مع المملكة لينعكس إيجابا على الاستقرار في السوق واستقرار الاقتصاد الأمريكي والعالمي، فلابد من أن تظهر مرونة في هذا الصدد. مما يعني ان هناك الكثير في التشريعات الأمريكية – خاصة قوانين منع الاحتكار – تحتاج الى إعادة نظر.
والسؤال هنا: هل سيرحب بأمريكا في “أوبك+” قريبا كعضو جديد يحل مكان روسيا؟ أم هل سيكون هذا التعاون السعودي الأمريكي خارج منظومة اوبك؟
بالرغم من شح المعلومات بخصوص ما هية الأفكار في الحقيبة الامريكية، الا أن الولايات المتحدة – غالبا – لا تفكر في هذا الاحتمال على الأقل في المستقبل المنظور بسبب قوانينها الداخلية. كما أنها قد تريد إيجاد تركيبة تعاون خاصة مع المملكة وليس مع “أوبك+”، وهذا سيكون منظوره استراتيجي على المدى المتوسط وسيكون مرتبط بتولي الرئيس ترامب لولاية ثانية.
فتعيين د. فيكتوريا كوتس لتمثيل وزارة الطاقة الأمريكية ومناقشة هذا الملف مع الجانب السعودي – مع جهود دبلوماسية داعمة من خلال الخارجية الأمريكية حسب ما صرح به وزير الطاقة الأمريكي – يعطي اشارة قوية الى أن الإدارة الأمريكية ستناقش – على المستوى الفني العميق – شكل التعاون مع المملكة وما هي آلياته بدون أي مرونة في تعديل تشريعاتها الداخلية. ومن منظور مصالحها الخاصة. بينما المملكة حملت على عاتقها مسئولية استقرار الاقتصاد العالمي على مدى سنوات طويلة، وهذه مسألة لا يمكن للمملكة التنازل عنها كسيدة الموقف.
يدعم هذه الفرضية كون أن د. فيكتوريا كوتس – التي عُيّنت في فبراير الماضي كمستشارة لوزير الطاقة الأمريكي والمبعوثة لدى المملكة – ليست متخصصة بشئون النفط وانتاجه واسواقه. ولكن في الأصل هي شخصية مهمات من الوزن الثقيل كمستشارة سياسات خارجية في منظومة الأمن القومي الأمريكي. وتخصصها الدقيق يدور حول تنفيذ التغييرات المنهجية المزعزعة او المفكّكة للمنظومات التقليدية. فهل اقتراح التعاون الامريكي سيكون مفكك لمنظومة “اوبك” او حتى على اقل تقدير لمنظومة “اوبك بلس”، وهذا له مدلوله بخصوص ما يعتقد الجانب الأمريكي الواجب فعله لكي تقتنع المملكة بالتجاوب مع مشروعها.
بينما المملكة – وهي أستاذة السياسة الواقعية خاصة في شؤون الطاقة – ستعمل على اقناع الجانب الأمريكي لكي يغير من موقفه وان يتخلص من نظرته الضيقة نحو افق مستقبلي واسع. مما يتطلب إيجاد آلية تعاون تُخرج مُنتِجي النفط الصخري من الضائقة الخطيرة الحالية.
لذلك مهمة “د. كوتس” ستكون مستحيلة الإنجاز ان لم تكن قائمة على الأسس التي تدافع عنها المملكة لمصلحة الجميع وما يتوافق مع مصالحها العليا. فعندما حاولت روسيا – وهي شريك استراتيجي للمملكة في “أوبك+” – أن تركز على مصلحتها فقط من خلال تعنت موقفها أثناء اجتماع مطلع شهر مارس في فيينا، تركتها المملكة تمارس إرادتها في سوق حر قد يكون كارثي لها. لذلك سترجع روسيا للتباحث حول ما اقترحته المملكة من تعميق التخفيض بسبب الخسائر المهولة التي تتكبدها اليوم بعد انخفاض إيرادات الخزينة الروسية بسبب انخفاض الاسعار أو في تراجع عملتها (الروبل) بأكثر من 10%.
وهذا التوجه دعمه بعض مسؤولي شركات النفط الروسية الكبرى وأكدوا على ضرورة محافظة روسيا على التواصل الوثيق بالمملكة والتعاون معها. كما أن وزير الطاقة الروسي صرح بعد الاجتماع بأن دول مجموعة “أوبك+” ستواصل مراقبة الوضع مما يدل على أن روسيا متمسكة بمنظومة “أوبك+”. وعندما المح الرئيس الأمريكي عن استعداده للتدخل بين روسيا والسعودية فيما سُمّي “بحرب الأسعار”، ردت موسكو فورا وبوضوح تام بأن العلاقات مع الرياض فيما يتعلق بأسواق النفط جيدة. ولا تحتاج لأي تدخل من أحد.
العلاقات السعودية الأمريكية قوية جدا منذ أن وضع أسسها المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه. لذلك، قنوات التواصل مفتوحة ومباشرة. ولكن للتعاطي مع ملف توازن السوق، فلا بد للجانب الأمريكي أن يعي إذا ما حصل شكل من اشكال التعاون السعودي الأمريكي فهذا لن يلغي “أوبك”. لأن المملكة هي من تقوده.
انضمام الولايات المتحدة لمنظومة “اوبك+” هو الأنجع للجميع على المدى الطويل وان كان غير ممكن في الوقت الراهن. أما في المنظور الحالي، فالتعاون المناسب مع المملكة سيكون من خلال آلية تعاون قائمة على نظرية “السعر الممكّن” التي قدمها سمو وزير الطاقة السعودي الامير عبد العزيز بن سلمان في شهر أكتوبر عام 2019 لضرورة استدامة الاسعار. وهو ما يتواكب تماماً مع الفكرة المطروحة من وزير الطاقة الامريكي لاستقرار السوق. وسيكون – بالضرورة – متضمن لنسب تخفيض في الإنتاج على الجميع لا محالة. وهنا ستظهر جديّة الجانب الأمريكي المراعية لمصالح منتجيها والاخرين في منظومة “أوبك”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال