الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا حديث يعلو فوق وباء كورونا ولا شيء يوقف ضجيج العالم هذه الأيام سوى الحديث عن تداعياته الصحية والاقتصادية ، ذلك حقاً هو المشهد حاضراً و قادماً ، وقبل هذا وذاك يحضر السؤال الأهم : كيف سيتصرف العالم ؟ ومتى ستنتهي الأزمة؟
في غضون أسبوعين فقط كانت ذروة العدوى قد خرجت عن نطاق السيطرة في بعض الدول وما لبث الأمر ان وضعت معظم دول العالم الخيارات والخطط لكبح جماح العدوى بهدف الخروج بأقل الخسائر البشرية والاقتصادية بيد أنَّ بعضها قد انهار نظامها الصحي وفتح بالتالي اضراراً وبائية قد تؤدي لا سمح الله الى ارتفاع الوفيات الى الملايين كما تزعم بعض التقارير ، من الواضح ان إجراءات التباعد الاجتماعي ومنع التجول وإغلاق المدن احد اهم الحلول التي تؤجل انتشار العدوى وقتياً لكنها ستكون فعالة بالوعي والالتزام وتجفيف بؤر العدوى المستوطنة او الناقلة له فيما بعد وهذا لاشك يتطلب بروتوكولات طبية ووقائية حالية ومستقبلية حازمة .
تخيل عزيزي القارئ .. أن احد أهم عناصر الانتاج (قوة العمل) معطلة هذا بدوره قد اثّر سلباً على بقية العناصر الإنتاجية، الذعر الاقتصادي لـكورونا بحد ذاته حدث عالمي غير مسبوق هذه حقيقة ! لم تنكفئ إلا ان تكون الحديث والمحتوى الذي لم يسبق ان تم تناوله بهذا الشكل عبر تاريخ وسائل الاعلام ناهيك عن الأحاديث المباشرة مما فرضت معه أيضاً أرضاً خصبة للفتاوي الاقتصادية والطبية كيفما اتفق فالجائحة ألقت بظلالها على الخطاب الاقتصادي الشعبي الذي تصدر المشهد الاعلامي في كل العالم ولَك ان تتخيل معدل نطق كلمة كورونا حول العالم في الدقيقة الواحدة هذا الخطاب بدوره زاد الطين بلة!
تداعيات فايروس كورونا العالمية في الاقتصاد تتضاعف يوما بعد يوم ونتمنى ان لايصل الاقتصاد العالمي الى مرحلة عدم التوظيف الكامل ، أي توقف الانتاج والانهيار التام ، ان حدث ذلك فسيكون تاريخاً اسوداً في النظام الاقتصادي العالمي ولن يرحم العالم نظامه الذي عجز عن توفير غذاءه انها بحق ستكون تجربة مريرة تفتح الباب امام تحولات جذرية في النظريات الاقتصادية هذا النظام الاقتصادي الذي وجد اصلاً لحل المشكلة الاقتصادية فلولا تلك المشكلة لما وجد شيئا اسمه علم الاقتصاد .
شيء آخر جدير بالتساؤل وهو : هل المفكرون والخبراء الاقتصاديون خلال هذه الازمة مكتفون بالتحليل والمشاهدة فقط ام انهم كالأطباء وعلماء الصيدلة سيكثفون جهودهم لإيجاد لقاح اقتصادي غير تقليدي في جانب النظريات والنظم الاقتصادية ؟ ثم أين اختفى المفكرون ومدارسهم الاقتصادية ولماذا اقتصر المحتوى الاقتصادي اليوم على تحليلات نظرية ولقاءات اعلامية خلت تماماً من الدراسات والبحوث الاقتصادية والنماذج!
الإجابات تظل مكتومة والمدارس الاقتصادية الحديثة اصابها الذهول ولربما ان الوقت لازال مبكراً لإظهار ما لديهم، الأنظمة الاقتصادية تولد من رحم الأزمات هذا ما يقوله التاريخ الاقتصادي فخلال الأزمات السابقة كانت بمثابة نشؤ لافكار ونظريات وعباقرة عاشوا وتعلموا وفكروا في أتون تلك الأزمات.
أين نحن؟ والى أين نحن ماضون؟ حسناً الركود الاقتصادي في عامي 2007 و 2008 وهو مايسمى بالانهيار الكبير حطم بضع مئات من مليارات الدولارات كخسائر في القطاع المالي ثم اندفعت إلى خمسة ترليونات دولار من الخسائر في الناتج المحلي الاجمالي العالمي وخسارة حوالي 30 تريليون دولار في سوق الأسهم العالمي انها ترسبات لأزمات متلاحقة تمتد جذورها لأكثر من 30 عاماً في التاريخ من الأزمات والفقاعات الحديثة ابتداء من عام 1980، وعام 1987 وحتى العام الحالي 2020.
نعم حاليا يتجه الاقتصاد العالمي الى الركود ولا نعلم ما اذا كان سيصل الى الكساد أو القاع ، هذا الذهول والألم الذي صاحب المستثمرين وعمالقة الصناعة في حالة من الاضطراب وتقويض الثقة حتى الملاذات الآمنة والاسهم والعملات الافتراضية اصابتها الوعكة على أمل ان تنتعش الوعكة بـ 2 تريليون دولار حسب الوعد الامريكي المرتقب ومع ذلك تتواصل تحذيرات صندوق النقد الدولي بركود طويل الاجل يقضي على المدخرات المليونية وقد يكون أمامهم وقتاً حتى العام 2021 لتقييم مواقفهم الاقتصادية من جديد .
في الاسبوع المنصرم اطلق أيضاً اقتصاديون غربيون تحذيرات حول انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي ويتوقعون انكماشاً في الاقتصاد العالمي بنسبة 1% هذا العام وسيكون أكبر هبوط مقارنة بالعام 2009 ووتيرة المخاوف تتصاعد بحدوث كساد اقتصادي عالمي مع إمكانية الاستجابة لحلول مُسكنة في السياسات المالية والنقدية، وهذا لايكفي.
التحذيرات في اعتقادي الشخصي لا تتناسب مع نوع هذه الازمة مقارنة بالتحذيرات الخجولة في الأزمات السابقة فمع كورونا الاختلاف كبير في ابعاد الاثار الاقتصادية لتداعياتها مقارنة بالأزمات التاريخية لان اقتصاديات دول العالم اليوم تعمل معا بميكنة ومنظومة العولمة مترابطاً ومتماسكاً مع بعضه البعض ، فالأمر لا يتطلب مجرد تحذيرات بل الانتقال الى خطة عمل اقتصادية تنفيذية دولية ، ثم هل لم يتبق من الأدوات النقدية سوى ضخ الاموال في أيدي الناس والشركات لإنعاش اداة الطلب الكلي والنمو الاقتصادي كما هو الحال في ازمة 2008 مما يحفز التوسع أم ان مشكلة التضخم ستكون أكبر مما نتوقع؟ وكيف يمكن خلق استراتيجيات اقتصادية لدالة العرض الذي هو لب مشكلة كورونا ؟ الجواب : انها أسئلة حائرة!
مجمل القول : لازال في الأمل بقية، فلربما تنتفض تغييرات عميقة في النظام الاقتصادي او على اقل تقدير تصحيح لمسار أدواته فجائحة كورونا درس عالمي ورسالة تحذير تقول بأنه مهما بلغ الانسان من تطور وعلم يبق ضعيفًا امام اصغر الكائنات متوشحاً برداء الخوف من واقعه المجهول كما لو كان قبل ملايين السنين مذعورا على مأمنه ومأكله ومشربه ممن حوله من الناس والحيوانات المفترسة والمرض وتقلبات وظروف الطبيعة الشرسة تختلف أدوات الخوف وتبتكر لها الأسلحة بكافة أنواعها ومع ذلك لم يصل بعد لدرجة النجاة والآمان التام، فلسفة الخوف متلازمة لرحلة الانسان بين الصحة والاقتصاد.
وفي المقابل وبالرغم من أن النظام الاقتصادي العالمي وقف عاجزا امام العديد من الأزمات الا ان الغريب في اعتقادي ان يتوقف مفكروا علم الاقتصاد في تطويره وتحسينه ووضع بدائل ونماذج اكثر ديناميكية بما تحول دون تعاظم اي قصور حد الازمة فمن السهولة بمكان تطوير أنظمة ووسائل التشخيص – قبل الأزمات – حتى نكون اكثر استعدادًا للظروف والمتغيرات التي تجنبنا الأزمات مثل الكساد العظيم أو ازمة كورونا التي أخذتنا على حين غرة !
لا احد يعلم هل نحن امام سنة ام سنتين لعودة الحراك الاقتصادي العالمي كما كان فينمو ويتعاظم ام ان فلسفة الخوف ومطرقة المستقبل وحيرة المفكرين ستمتد تداعياتها لحدوث كارثة اقتصادية عالمية تتساقط معها اقتصاديات الدول المتقدمة تباعاً دون حلول وأدوات وانظمة جديدة وغير مسبوقة لتبدأ معها وجهة جديدة للاقتصاد ، لعل وعسى .. لابد من شيء !.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال