الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
انتشر كورونا في العالم من الشرق إلى الغرب واختلت الكثير من الموازين الاقتصادية للعقود المبرمة في شتى المجالات، وتفاوتت الأقوال في الوقت الراهن من جانب اعتبار ما تمر به المملكة العربية السعودية ظروف طارئة أم قوة قاهرة، وانتشرت بعض من الاستشارات القانونية التي ترى بأن العقود الخاضعة لنظام العمل انتهت بقوة النظام باعتبار أن ما نمر به هي قوة قاهرة.
في بداية الأمر يمكن تعريف الظروف الطارئة بأنه حالة عامة غير مألوفة وغير متوقعة الحدوث، ولم يكن بحسبان المتعاقدين وقت التعاقد توقعها، مما يترتب عليها إرهاق المدين في تنفيذ التزامه، ويهدده بخسارة فادحة. ويمكن استخلاص شروط الظروف الطارئة، بأن نكون بصدد عقد متراخي، أي أن يكون هناك فترة فاصلة ما بين إبرام العقد وتنفيذه، كما يشترط أن يكون العقد محدد القيمة أي كلا الطرفين يعرف ماله وما عليه عند إبرامه، كذلك يشترط فيها -أي الظروف الطارئة- أن تكون استثنائية وعامة، ويشترط أيضاً عدم توقع المتعاقدين لهذه الظروف الطارئة وخروجها عن إرادتهما وعدم إمكانية تحاشيها. أما أهم هذه الشروط المرتبطة بالظروف الطارئة هو شرط (الإرهاق) أي أن يكون تنفيذ الالتزام مرهقاً ، ويتحمل المدين خسارة فادحة إذا أُجبر على تنفيذه.
وإذا ما أخذنا بالشروط أعلاه وأنزلناها على الوضع الراهن نستطيع القول بأن ما تمر به المملكة العربية السعودية ينطبق عليها وصف الظروف الطارئة وليست القوة القاهرة، فهما لا يختلفان كثيراً عن بعضهما، لكن يمكن التمييز بينهما من خلال النظر في القدرة على تنفيذ الالتزام من عدمها، فالقوة القاهرة يكون تنفيذ الالتزام معها مستحيلاً ، بينما الظروف الطارئة يكون تنفيذ الالتزام معها مرهقاً لكن لا يصل إلى حد الاستحالة.
وبالرجوع إلى استشارات بعض زملاء المهنة، مفادها بأن العقود الخاضعة لنظام العمل انتهت بقوة النظام بسبب القوة القاهرة (فايروس كورونا) مستندين في ذلك على الفقرة (5) من المادة (74) من نظام العمل، فالذي أراه بأنه اجتهاد مجانبٌ للصواب، ولا يمكن التسليم به لكون ما تمر به المملكة الآن ليس إلا ظرفاً طارئاً، وليس قوة قاهرة، لكون تنفيذ عقود العمل والالتزامات المتبادلة ما بين أطرافها ممكنة ومرهقة لكن ليست مستحيلة. علاوة على ذلك، إن مثل تلك الاستشارات في هذه الأوقات قد تسبب آثار وخيمة على قطاع العمل والأعمال لاحتمالية قيام العامل أو رب العمل بعدم تنفيذ التزاماتهما بحجة انتهاء العلاقة العمالية للقوة القاهرة.
وعليه، فإن أي طرف متضرر من الظروف الطارئة يمكنه اللجوء إلى القضاء الذي يملك سلطة تقديرية في رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول بأي وسيلة يراها محققة لإقامة التوازن بين طرفي العقد وقد يرى وقف تنفيذ العقد لفترة معينة وغيرها من الحلول التي تضمن تحقيق العدالة الواجب تطبيقها بين طرفي العقد ومنعاً للضرر المرهق لأحد المتعاقدين.
وفي الختام، نؤكد ان ما تمر به المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن يدخل تحت مظلة الظروف الطارئة، وإذا ما قام رب العمل أو العامل بإنهاء العلاقة العمالية مستنداً في ذلك على وجود القوة القاهرة، فإن ليس إلا إنهائهاً غير مشروع موجباً للتعويض.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال