الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ماذا تعني مكالمة رئيس الولايات المتحدة لسمو ولي العهد السعودي بخصوص استقرار أسواق النفط؟ وهل اقتنعت “أوبك” و “أوبك+” ودول أخرى برؤية المملكة في ضرورة الالتزام المشترك تجاه استقرار أسواق النفط وحماية الاقتصاد العالمي من أي اضطراب مستقبلا، مما يعني إيجاد “أوبك++” قريبا؟
بتذكير سريع بما حدث، كانت المملكة تنادي بتمديد وتعميق اتفاقية تخفيض الإنتاج لتوازن أسواق النفط واستقرار الاقتصاد العالمي. خاصة مع تداعيات جائحة فيروس كورونا والذي انعكس سلبا على الطلب العالمي للنفط الخام ومشتقاته. ولكن تَعنّت الجانب الروسي الرسمي ورفض الاتفاقية. مما كان بمثابة صدمة خاصة لبعض مسؤولي شركات النفط الروسية الكبرى الذين يؤمنون بضرورة التعاون مع المملكة. فتركتها المملكة تواجه واقع رفضها. وفي وقت سابق، نادت المملكة أيضا من خلال سمو وزير الطاقة – الأمير عبد العزيز بن سلمان – بمفهوم “السعر المُمَكِّنْ” في أكتوبر 2019 لاستدامة الاستقرار. ولكن رد المنتج الأمريكي بأن السوق حر ولا قيود على الانتاج. فتركته المملكة – أيضا – ليواجه واقع رفضه.
لم يكتف الجانبان بالتَعنُّت ولكن طعّموه ببعض المكابرة. فبدا الجانب الروسي يُصرِّح بقدرته على تحمل انخفاض الطلب والاسعار لمدة تصل الى عشر سنوات، وهذا كلام غير منطقي في ظل شفافية المواقف المالية والاحتياطات النقدية لكل دول العالم، الأمر الذي أسفر عن انخفاضا فوريا في سعر صرف الروبل بحوالي 10%، واضطرار شركة انتاج روسية ضخمة الى بيع أصول لها لمواجهة الموقف الحالي للأسواق.
أما المنتج الأمريكي والمدعوم ببعض وسائل الاعلام الباحثة عن الفرقعات الإعلامية فقد ظل على موقفه الذي يتهم المملكة بأنها تمارس حرب أسعار، منكرا تماما السبب الحقيقي المتمثل في جائحة فيروس كورونا وانخفاض الطلب على الخام بسببه. من جانب آخر تابعنا نتائج سياسة المكابرة على أسواق المال، حيث طالت نار الخسائر الفادحة أقدام شركات انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، حتى وصل الامر بإحداها بطلب وضعها على قانون الإفلاس للحماية القانونية من الدائنين.
في ظل تسارع الاحداث، انشغلت المملكة بترتيب أمورها الداخلية في مواجهة جائحة فيروس كورونا وهي تعلم بأن الجميع سيطرق بابها – عاجلا أم آجلا – كما هي العادة. وبالفعل، في أقل من شهر منذ انعقاد اجتماع “أوبك+” – في فيينا في مطلع مارس الماضي – أعلن الرئيس الأمريكي ترمب يوم الخميس 2 أبريل – بأنه قد تحدث لسمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي سبق ان تباحث معه الرئيس الروسي بوتين بخصوص استقرار أسواق النفط، وأنه – أي الرئيس الأمريكي – يتطلع الى اتفاق بتخفيض الإنتاج من 10 الى 15 مليون برميل. مما سيكون في مصلحة صناعة النفط.
بعد اعلان الرئيس الأمريكي، دعت المملكة الى اجتماع عاجل لدول “أوبك” و “أوبك+” ودول أخرى. وهو تحرك ما كان ليكون لو لم تتلقى المملكة تأكيدات بالتزام الأطراف ذات العلاقة بالتعاون من خلال مشاركة جادة في التخفيض. هذا يدعمه تصريح سمو وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في 10 مارس – في رد على وزير الطاقة الروسي الذي لمح لاحتمالية عقد اجتماع آخر – بأنه لا فائدة من عقد اجتماع اخر مادام لا يوجد اجماع على اتخاذ إجراءات حقيقية لمواجهة تأثير جائحة فيروس كورونا على أسواق النفط.
بمجرد أن دعت المملكة الى اجتماع عاجل لدول “أوبك” و “أوبك+” ودول أخرى، قفز سعر خام برنت بحوالي 28% في السوق حتى لم ينتظر لسماع موافقة روسيا على الاجتماع أو خفض انتاجها. هذا الارتفاع نتيجة الاعلان السعودي هو ما قصده وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو – في 23 مارس – عندما طلب من المملكة بالارتقاء (رفع سقف الطمأنينة) لطمأنة أسواق الطاقة والأسواق المالية العالمية.
ما حصل يفيد بأن الأمور تسير وفق ما تراه المملكة نحو استقرار أسواق النفط وربما أكثر من ذلك. الأهم هنا – مِن متى وكيف وماذا سيحصل في الاجتماع المتوقع عقده في الأسبوع المقبل وماذا ستكون نتائجه – هو حراك الجانب الأمريكي الرسمي والذي يحمل في طياته الكثير من الإشارات الإيجابية التي تدل على أن هناك اقتناع برؤية المملكة تجاه الأسواق والقائمة أصلا على مبدأي تخفيض الإنتاج وتبني منهجية “السعر المُمَكّنْ”. مما جعل رئيس الولايات المتحدة يعلن بنفسه عن الاتصال بسمو ولي العهد السعودي وليس وزير الطاقة أو الخارجية الأمريكي.
عموما، لا يمكن للولايات الامريكية أن تستفيد من إجراءات طمأنة الأسواق ومعالجة اضطراباته دون المشاركة الفعلية فيه. وهذا يفسر أن اجتماع سيعقد لرؤساء شركات انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة مع الرئيس الأمريكي. ولا يستبعد أن يحصل الرئيس الأمريكي على موافقة (وان كانت في شكل كلمة شرف لا تحتاج لتوثيقها كتابيا كخطوة أولى) منهم بتخفيض الإنتاج. حتى النظر – بعد الانتخابات – فيما يمكن صنعه من تعديلات في تشريعات تعمل في مصلحة الاقتصاد الأمريكي الكلي. بما فيها الكف عن ترويج قانون جاستا وشعار “لا للأوبك” الذي يُجرّم منظمة أوبك والتي هي – أي الولايات المتحدة – بحاجتها اليوم لاستقرار الأسواق النفطية.
ما رأيناه من رئيس الولايات المتحدة مبادرة إيجابية تحسب له ولإدارته. وربما تكون خطوة تجاه احتمالية ولادة “أوبك++” –تضم الولايات المتحدة ودول أخرى مثل كندا والمكسيك – كمنظومة تعاون فعّالة من خلال الإيفاء بالوعود والالتزام بالاتفاقيات بدون مكابرة ولما في خدمة الجميع في ظل تشابك مصالحهم.
“أوبك”، “أوبك+”، “أوبك++” كلها مسميات – وأن تنوع نهج التعاون بين أعضائها – لا تستطيع أن تنكر حقيقتان. الأولى هي أن أسواق النفط يطمئنها الالتزام الجاد للمنتجين باستقراره. وثانيا، أن هذا الاستقرار لا يكون الا عبر التعاون الجاد والخلوق مع السعودية. فهي صاحبة المصداقية القادرة على قيادة المركب الى بر الأمان كما هي عادتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال