الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال العشرين قرن الماضية, سجل التاريخ 18 وباءا قاتلا كاد أن يفتك بالبشرية لولا قدر الله ولطفه. من أشهر الجائحات الوبائية “الطاعون الأنطوني” الذي اتى الى روما مع رجوع الجيش الروماني من الشرق الأوسط وأنتشر في روما لمدة 15 عام في الفترة ما بين العام 165-180 بعد الميلاد وتسبب في وفاة 5 مليون شخص.
يضع كل وباء بصمته على مسيرة البشرية, أشهرهم على الاطلاق وأكثرهم أستدامة كان التغيير الذي أحدثة الطاعون الدبلي (الطاعون الأسود) الذي فتك بحسب التقديرات ب 75-200 مليون نسمة في أوربا واسيا بين العام 1346-1353. غير الطاعون مستقبل أوربا السياسي والاقتصادي بتغيره لنظام القنانة المعمول به انذاك الذي كان أشبه بنظام العبودية.
السؤال الذي يبدر بذهن كل مسؤول حكومي ومدير تنفيذي اليوم هو: كيف ستغير جائحة فيروس الكرونا العالم؟ كيف سيتغير نمط الاقتصاد؟
الجواب يتم نسجه حاليا” بخيوط تطورات تفشي الفيروس حول العالم ولن نعرف النتيجة الا بعد عدة سنوات, لكن يمكننا تلمس التغيير القادم في بعض المجالات المختلفة وهنا محاولة لأستشراف التغيير في ثلاث قطاعات مهمة:
قطاع الرعاية الصحية
يقف العالم مذهولا” أمام عجز قطاع الرعاية الصحية في بلاد كانت تعتبر المقياس للكفاءة في الاداء. نقص في الكوادر والمعدات الطبية في اوروبا والولايات المتحدة حتى في أبسط المستلزمات مثل الأقنعة الواقية. من المؤكد سيتم مراجعة النظم التعليمية والبحثية, سلسلة امدادات وصناعة الأدوية على مستوى الدول والأقطار. ستكون الأولوية لتوطين الصناعات الدوائية كما سيزداد الأهتمام بالتعليم الطبي وبالعلوم عموما”.
الأمن الغذائي
ما من مقولة تجسد أهمية الأمن الغذائي لأي دولة كمقولة ألفريد هنري لويس (1906) أن “تسعة وجبات فقط هي المسافة التي تفصل البشرية بين التحضر وبين الفوضى والهمجية الكاملة”. ليس هناك أخطر من الجوع في قدرته على تحويل الانسان الى وحش كاسر لذلك نجد الكثير من عدم الاستقرار والحروب الأهلية في البلاد ذات الأمن الغذائي الهش.
أحد علامات الوضع الغذائي الهش هو النسبة التي تصرف على الغذاء من دخل العائلة. كلما زادت تلك النسبة, زادت هشاشة الأمن الغذائي. لذلك ليس صدفة أن “الربيع العربي” بدأ وأنحصر في البلاد التي تتواجد فيها هذه المعادلة.
مع تفشي فيروس كرونا, أنهارات الأسواق المالية بنسب تاريخية ما عدا أسعار السلع الأساسية الغير صناعية المرتبطة بالأمن الغذائي للدول مثل الأرز والقمح. سبب الأرتفاع ليس الندرة, بل الخوف من تعطل سلسلة الأمدادات حول العالم. رغم أن الوضع مازال تحت السيطرة الا أننا نجد بعض البلاد أستبقت الأحداث ومنعت تصدير أهم منتجاتها الزراعية.
مصر أوقفت تصدير البقوليات و السودان أوقف تصدير الفول والذرة. فيتنام أوقفت تصدير الأرز وكازخستان القمح والسكر وزيوت الطعام. الصين حذرت من تخزين الأرز وهي أكبر منتج في العالم للسلعة وأوكرانيا وروسيا أعلنتا أنهما يراقبان أوضاع سلعة القمح ولا تسبعدان أيقاف تصديره علما” أن البلدين من أكبر منتجي القمح في العالم. الجدير بالذكر أن روسيا وأكرانيا قد قامتا بمنع تصدير القمح في عام 2010 والنتيجة كانت أرتفاع سعره عالميا ب 100% في غضون شهور.
أهمية الأمن الغذائي ستجعل الدول في تغيير تفكيرها تجاه استراتيجياتها الحالية بحيث يكون الأعتماد والأولوية لتوطين الانتاج وسلسلة الامدادات وطنيا” واقليميا أكثر من عالميا”. بالنسبة للعالم العربي هل تكون هذه فرصة لأعادة تفعيل التكامل العربي ولو في هذه المساحة القليلة اهتمامًا ” وكبيرة مضمونا”؟!
قطاع العقارات التجارية
أزمة الرهن العقاري في 2008 غيرت شكل ونمط القطاع العقاري بشكل كبير. أهم احصائية جسدت هذا التغير كانت قد نشرت في رويترز بتاريخ 4 مارس 2013 أن متوسط مساحة العقار التجاري لكل موظف عام 2008 كانت 250 قدم مربع وبعد الأزمة انكمشت المساحة الى 150 قدم مربع فقط.
التغيير الاخر الذي حدث هو بروز نجم الاقتصاد التشاركي ووسائل الاتصال عن بعد التي أصبحت تلعب دورا “كبيرا” في طريقة تواصلنا كأشخاص وشركات. كانت تلك الوسائل قبل جائحة الكرونا تلعب دورا “مساعدا” لطريقة تصريف الأعمال التقليدية. أما الان, نجد بلاد” بأكملها بقطاعها الخاص ومؤسساتها الحكومية والتعليمية أنتقلت لتصريف أعمالها مستعينة بوسائل التواصل عن بعد بشكل شبه حصري.
بعض الشركات وجدت أن في ذلك زيادة كبيرة في الكفاءة التشغيلية علاوة على تخفيض كبير في المنصرفات وعليه لن ترجع لطريقة العمل التقليدي حتى بعد انتهاء الأزمة الحالية. أولياء أمور كثر بدأوا في التفكير جديا” في تدريس أبنائهم عن بعد حيث يتيح لهم ذلك تقليل المصروفاتت الدراسية ويوفر كذلك خيارات منهجية أوسع.
جائحة الكرونا أجبرتنا أن نخوض تجربة فريدة أخرجت العالم من “منطقة الأمان” التي تعودنا عليها جميعا”. كشفت هذة التجربة مخاطر كبيرة في الأنظمة الادراية للكثير من القطاعات الحيوية كما كشفت عن فرص كان العالم متردد في استكشافها. الدروس والاختبارات ما زالت مستمرة, لكن يمكننا أن القول بدرجة كبيرة من الثقة أن عالم ما بعد كورونا سيكون مختلف بشكل كبير فهل نحن مستعدون؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال